لو أمعنا النظر في مفاهيم هذه الآيات وتصورنا آلاف الملايين من الكائنات الحية الموجودة في البر والبحر بأنواعها العجيبة المذهلة. ولو تصورنا مجموع أشجار الكرة الأرضية مع جميع أوراقها وعدد مايسقط منها في كل يومٍ وكل ساعة وكل لحظة ، والمكان الذي تسقط فيه ، وكذلك لو تصورنا مجموع حبوب النباتات التي تنتقل على سطح الأرض ـ بواسطة البشر ، والرياح وأنواع الحشرات والسيول وماشاكل ذلك ـ وتنتظر دورها في ظلمات الأرض للإنبات والنمو ، وعلمنا بأنّ الله سبحانه وتعالى قد أحاط علماً بجميع هذه الامور وبجميع مشخّصاتها وجزئياتها ، لأدركنا سهولة إحاطته تعالى بأعمالنا.
لقد فسّرت روايات عديدة ، منقولة عن أهل البيت عليهمالسلام ، «ظلمات الأرض» بالرحم و «الحبة» بمعنى الولد ، و «الورقة» بمعنى الأجنة الساقطة ، و «الرطب» بمعنى النطف التي تعيش و «اليابس» بمعنى النطف التي تموت وتجف.
وأشار بعض مفسّري أهل السنة كالآلوسي في كتابه (روح المعاني) إلى هذا الحديث بتعجب ، واعتبره على خلاف ظاهر الآية.
صحيح أنّه وبالنظرة الاولى يبدو من ظاهر الآية أنّها تُشير إلى حبّات النباتات ، لكن الحديث أعلاه أشار إلى مفاهيم تستنبط من هذه الآية بالدلالة الالتزامية ، لأنّه لا يوجد تفاوت جذري بين النطفة والحبّة ، وهكذا بين باطن الأرض وظلمات الرحم ، والعالم بالاولى هو عالم بالثانية بسهولة لأنّهما متشابهتان مع بعضهما (١).
وعلاوة على ذلك فإنّ أئمّة أهل البيت عليهمالسلام كانوا يعلمون باطن القرآن كظاهره ، وهذا التفسير يحتمل أن يكون جزءاً من الباطن.
وقد فسّر المفسرون الرطب واليابس بمعان كثيرة ، منها أنّهم قالوا : بأنّ الرطب بمعنى الكائن الحي : واليابس بمعنى الميت ، أو الرطب بمعنى المؤمن ، واليابس بمعنى الكافر ، أو الرطب بمعنى الكائن الحي ، واليابس بمعنى الجماد ، أو الرطب بمعنى العالم ، واليابس بمعنى الجاهل (٢).
__________________
(١) ورد في تفسير البرهان خمسة أحاديث في هذا المجال منقولة عن الإمام الصادق والكاظم والرضا عليهمالسلام.
(٢) تفسير روح البيان ، ج ٣ ، ص ٤٤ ؛ وتفسير روح المعاني ، ج ٧ ، ص ١٤٩.