والجدير بالذكر هو أنّ المخاطب في الجملتين الأوليتين هو الرسول صلىاللهعليهوآله ، حيث أشارت إلى الشأن ، (أي الحالات والأعمال المهمّة) ، وتلاوة القرآن الكريم ، أمّا المخاطب في الجملة الثالثة التي تحدثت عن مطلق الأعمال ، فهم الناس بأجمعهم.
وعلى أيّة حال ، بما أنّ المخاطب في بداية الآية هو الرسول صلىاللهعليهوآله وفي الذيل هم جميع الناس ، فانّها تدل على العموم والشمول.
وعلاوة على ذلك فهي تشمل حالات الإنسان وأقواله وأعماله (الاستناد إلى تعابير الشأن والتلاوة والعمل).
و «الشهود» : جمع «شاهد» ، وهو بمعنى الحاضر والناظر والمراقب (واستعمال صيغة الجمع بخصوص الباري ـ كما وضّحنا هذه المسألة كراراً ـ إنّما هو كناية عن عظمته وعلو مقامه سبحانه وتعالى) ، ولهذا التعبير مفهوم أوسع من مفهوم العلم ، وهو في الواقع يشير إلى حقيقة كون علم الله علماً حضورياً ، وسنشرح ذلك في قسم التوضيحات.
«تفيضون» : من «الافاضة» وهي في الأصل بمعنى امتلاء الإناء بالماء بحيث ينساب من حافته ، وهذه الكلمة تستعمل بمعنى الشروع بالأعمال باقتدار أو بصورة جماعة ، وقد وردت في هذه الآية بهذا المعنى أيضاً.
ثم أضاف سبحانه قائلا : (وَمَا يَعزُبُ عَنْ رَّبِّكَ مِنْ مِّثقَالِ ذَرَّةٍ فِى الأَرضِ وَلَا فِى السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أكْبَرَ إِلَّا فِى كِتَابٍ مُّبِينٍ).
«يعزب» : من «العزوب» ـ على وزن «غروب» ـ وهو بمعنى البعد والانزواء والغيبة ، وقال بعض اللغويين والمفسّرين : بأنّه بمعنى الابتعاد عن العائلة وفراق الأهل لتحصيل مرتع للمواشي ، ويُطلق «عزبْ» و «عازب» على كل من يبقى بعيداً عن أهله ، أو كل من لم
__________________
ـ والثالث على (القرآن) لكننا نعتقد بأنّ الاحتمال الأول أقوى ، ويصير مفهوم الآية كالتالي : (وما تتلو أيّ قسمٍ من القرآن عن الله عزوجل إلّا ....) والدليل على هذا التفسير هو الآية السابقة لهذه الآية والتي تقول : (ما معناه) (بأن ما كان ينسبه الكفار إلى الله تعالى إنّما هو كذب وافتراء) فقالت هذه الآية : بأنّ نبي الإسلام منزّه عن القيام بمثل هذه الأعمال وأنّ جميع ما يخبر به هو من عند الله.