لو أردنا أن نشرح هذا الدليل بشكل بسيط نقول : بأنّ نظام موجودات الكون يدلّ على أنّها ـ الموجودات ـ خلقت وفق خطة وأهداف معينة وبرنامج دقيق ، وعليه فإنّ خالق هذه الموجودات يعلم بجميع أسرارها حتى قبل خلقها.
ولو التفتنا إلى مسألة ديمومة واستمرار خلق الله ، وأنّ جميع الممكنات مرتبطة مع واجب الوجود في الوجود وفي البقاء ، وفيض الوجود يفيض من ذلك المبدأ الفيّاض على المخلوقات في كل آن ، لأدركنا بأنّ علمه وإحاطته بجميع موجودات عالم الوجود دائم وسرمدي وفي كُل مكان وزمان ، فتأمل.
والجدير بالالتفات هو أنّ الآية ابتدأت باستفهام استنكاري ، فهي تطلب الإجابة من سامعها ، أي أنّ الموضوع بدرجة من الوضوح بحيث إنّ كل من يراجع عقله ووجدانه يعلم أو يدرك بأنّ الخالق لأي شيء خبير به حتماً (١).
و «لطيف» : من ماة «لطف» ، وهو هنا بمعنى خالق الموجودات اللطيفة والأشياء الظريفة والدقيقة جدّاً ، أو بمعنى من أحاط بها علماً.
وقالوا أيضاً في معنى الخبير : بأنّه من يعلم بالأسرار الخفية ، ووصفه تعالى بهاتين الصفتين تلويح عن علمه بأسرار الكون ورموزه الخفية.
والجدير بالملاحظة هو أنّ الله قد خاطب الناس قبل هذه الآية فقال : (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُم أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ). (الملك / ٣)
ثم طرح الاستدلال المذكور أعلاه لإثبات هذه القضية. وعليه فإنّ الاستناد إلى هذه الآية في الاستدلال على إثبات علم الله سبحانه يدلّ على أثرها التربوي أيضاً.
يتّضح ممّا قِيل حول تفسير هذه الآية بأنّ مفهومها واسع جدّاً ، وينبغي أن لا تحدد بعلم الله بأعمال الناس ونيّاتهم وعقائدهم فحسب ، بل هي في الحقيقة دليل كُلي ومنطقي على علم الله ، وقد جاءت لتوضيح جانب تربوي معين.
__________________
ـ تكون (من) مفعولاً وفاعله ضمير مستتر يعود على (الله). ففي الصورة الاولى يكون معنى الآية هكذا : «هل أنّ الخالق لا يعلم؟» وفي الصورة الثانية يكون المعنى «هل أنّ خالق الكائنات لا يعلم بها» والنتيجة واحدة بالرغم من أنّ الأول أقرب.
(١) الاستفهام الاستنكاري يعطي معنى النفي ، ووجود لا النافية في الآية يصبح نفي النفي إثبات.