وفي الحقيقة فإنّه لا شيء في اللغة يدلّ على أنّ معنى الإدراك هو الإدراك الحسّي ، بل وكما قلنا فإنّ الإدراك معناه الوصول إلى نهاية الشي والاحاطة به ، سواءً كان حسيّاً أم عقلياً ، وما يثير العجب أكثر هو أنّه على الرغم من أنّ الآية المذكورة قالت وبعبارة صريحة : «لا تدركه الأبصار» (سواء في الدنيا أم في الآخرة ، وسواء في ذلك الرسول صلىاللهعليهوآله في ليلة المعراج أم غيره) فمع ذلك أصرّ بعض المفسرين على حمل الآية على خلاف معناها الظاهري ، وقالوا : إنّه يمكن رؤية الله في الآخرة على الأقل ، وذكروا عدّة توجيهات في هذا المجال ، وقد ذكر الفخر الرازي أربعة نماذج منها في تعليقه على هذه الآية (١) ، جميعها ضعيفة جدّاً وتبعث على التأسف وتدلّ على ميل البعض في فرض آرائهم الباطلة على القرآن بأيّ ثمنٍ كان.
وسنبحث هذا الموضوع بتفصيل أكثر في شرح الصفات الإلهيّة السلبية إن شاء الله تعالى ، وسوف نلاحظ عكس ذلك تماماً في روايات أهل البيت عليهمالسلام حيث لم تكتفِ فقط بنفي قدرة الإنسان على رؤيته تعالى ، بل حتى نفت قدرة العقل البشري على إدراك كنه ذاته المقدّسة.
* * *
__________________
(١) تفسير الكبير ، ج ١٣ ، ص ١٢٤.