تعالى مع حكمته ، ووصفه بصفتي العليم والحكيم في آن واحد ، وبعد أن تحدثت عن جماعة من المسلمين خلطوا عملاً صالحاً وآخر طالحاً ، قال تعالى : (وَءَاخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).
إنّ الله تعالى عليم يعلم هذه الجماعة جيداً ، وحكيم من حيث معاملته كل فرد بما يستحقه ، فتارة يرحم وتارة اخرى يعذّب ، وبذلك يجعلهم بين الخوف والرجاء ، وهذه الحالة تعد من العوامل التربوية للإنسان.
والواقع إنّ التعبير بكلمة «عليم» إشارة إلى إحاطته تعالى بالموضوع ، و «حكيم» إشارة إلى إطلاعه على الحكم (١).
ومن البديهي أنّ كلاً من العذاب أو العفو الإلهي ليس من دون حساب ، بل هو قائمٌ على اسس اللياقات العملية والأخلاقيّة والنيّات الذاتية للأفراد.
والجدير بالذكر هو أنّ بعض الآيات التي سبقت هذه الآية عن جماعة اخرى من الذين خلطوا الطاعات بالمعاصي ، خُتمت بالوعد بالمغفرة : (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ، وذلك من أجل التأكيد على تلك المغفرة ، ويعتقد أنّ تلك الآيات تحدثت عن الذين تابوا من ذنوبهم حالاً وأصلحوا نفوسهم بعد اقتراف المعاصي مباشرةً ، لكن الجماعة المذكورة في آية بحثنا لم تكن كذلك.
ويلاحظ في آيات كثيرة اخرى أيضاً بأنّ صفتي «عليم وحكيم» لهما علاقة وثيقة بمحتوى الآية في جميع تلك الآيات ، لأنّ الكثير منها قد تحدثت عن الأحكام والقوانين الإلهيّة التي لها علاقة واضحة بعلم الله تعالى وحكمته. والبعض الآخر منها تحدثت عن القوانين التكوينية التي لا يمكن تشريعها أيضاً بدون العلم والحكمة.
وبعضها تحدثت عن التوبة والثواب والعقاب ، والعدل في هذه الامور يحتاج إلى العلم والحكمة ، العلم بأعمال ونيّات العباد ، والحكمة في تقدير الثواب والعقاب حتماً.
* * *
__________________
(١) في تفسير الكبير ، ج ١٦ ، ص ١٩٣ ؛ وتفسير روح المعاني ، ج ١١ ، ص ١٦ ، إشارة خفيفة إلى هذا المطلب.