وقوله : (وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِ) أى : مخرج الميت كالحب والنوى من النبات والبيضة والنطفة من الحيوان.
قال صاحب المنار : فإن قيل إن علماء المواليد يزعمون أن في كل أصول الأحياء حياة فكل ما ينبت من ذلك ذو حياة كامنة إذا عقم بالصناعة لا ينبت ، قلنا : إن هذا اصطلاح لهم يسمون القوة أو الخاصية التي يكون بها الحب قابلا للإنبات حياة ، ولكن هذا لا يصح في اللغة إلا بضرب من التجوز وإنما حقيقة الحياة في اللغة ما يكون به الجسم متغذيا ناميا بالفعل ، وهذا أدنى مراتب الحياة عند العرب ، ولها مراتب أخرى كالإحساس والقدرة والإرادة والعلم والعقل والحكمة والنظام ، وهذا أعلى مراتب الحياة في المخلوق» (١).
ونقل بعض المفسرين عن ابن عباس أن معنى الجملتين : يخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن ومثله إخراج البار من الفاجر والصالح من الطالح والعالم من الجاهل وعكسه ، وذلك بحمله الحياة والموت على المعنوي منها كما في قوله ـ تعالى ـ (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ).
ويبدو لنا أن حمل الحياة والموت هنا على المعنى المعنوي لا يناسبه سياق الآيات التي معنا ، لأنها تتحدث عن آثار قدرة الله المحسوسة ليزداد المؤمنون إيمانا على إيمانهم ، ويتأمل كل ذي عقل في مظاهر قدرة الله في كونه يهتدى إلى طريق الحق والصواب.
وقوله (وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِ) معطوف على ما قبله وهو قوله (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) لأنه إخبار بضد مضمونه وهو وضع آخر عجيب دال على كمال القدرة.
وجيء بجملة (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) فعليه لإرادة تصوير إخراج الحي من الميت واستحضاره في ذهن السامع. وهذا التصوير والاستحضار إنما يتمكن في أدائهما الفعل المضارع دون اسم الفاعل والماضي.
ويرى صاحب الكشاف أن قوله : (وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِ) معطوف على (فالِقُ) لا على (يُخْرِجُ) لأنه بيان لفالق الحب والنوى.
قال ـ رحمهالله : فإن قلت : كيف قال (وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِ) بلفظ اسم الفاعل بعد قوله : (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ)؟ قلت : عطفه على فالق الحب والنوى لا على الفعل ، ويخرج الحي من الميت : موقعه موقع الجملة المبينة لقوله (فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى) لأن فالق الحب والنوى بالنبات والشجر الناميين من جنس إخراج الحي من الميت ، لأن النامي في حكم الحيوان ألا ترى إلى قوله ـ تعالى ـ (وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) (٢).
__________________
(١) تفسير المنار ج ٧ ص ٦٣١.
(٢) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٤٨.