بدل منه. كأنه قيل : وحاصلة من طلع النخل قنوان دانية. وذكر القريبة وترك ذكر البعيدة ، لأن النعمة فيها أظهر وأدل ، واكتفى بذكر القريبة على ذكر البعيدة كقوله : (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) (١).
وقوله : (وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ) معطوف على (نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ) أى : فأخرجنا بهذا الماء نبات كل شيء وأخرجنا به جنات كائنة من أعناب. وجعله : بعضهم عطفا على (خَضِراً). وقيل هو معطوف على (حَبًّا).
وقوله : (وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ) منصوب على الاختصاص أى : وأخص من نبات كل شيء الزيتون والرمان ، وقيل معطوف على (نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ).
قال الآلوسى : وقوله : (مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ) إما حال من الزيتون لسبقه اكتفى به عن حال ما عطف عليه وهو الرمان والتقدير : والزيتون مشتبها وغير متشابه والرمان كذلك ، وإما حال من الرمان لقربه ويقدر مثله في الأول.
وأياما كان ففي الكلام مضاف مقدر وهو بعض. أى بعض ذلك مشتبها وبعضه غير متشابه في الهيئة والمقدار واللون والطعم وغير ذلك من الأوصاف الدالة على كمال قدرة صانعها ، وحكمة منشئها ومبدعها كما قال ـ تعالى ـ (يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ) (٢).
ثم أمر الله عباده أن يتأملوا في بديع صنعه فقال : (انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ) أى : انظروا نظر تأمل واعتبار إلى ثمار كل واحد مما ذكرنا حال ابتدائه حين يكون ضئيلا ضعيفا لا يكاد ينتفع به ، وحال ينعه أى : نضجه كيف يصير كبيرا أو جامعا لألوان من المنافع والملاذ.
يقال : أينعت الثمرة إذا نضجت.
وقوله (إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) أى : إن في ذلكم الذي ذكرناه من أنواع النبات والثمار ، وذلكم الذي أمرتم بالنظر إليه لدلائل عظيمة على وجود القادر الحكيم لقوم يصدقون بأن الذي أخرج هذا النبات وهذه الثمار لهو المستحق للعبادة دون ما سواه أو هو القادر على أن يحيى الموتى ويبعثهم.
قال الشيخ القاسمى : قال بعضهم : القوم كانوا ينكرون البعث فاحتج عليهم بتعريف ما خلق ونقله من حال إلى حال وهو ما يعلمونه قطعا ويشاهدونه من إحياء الأرض بعد موتها ،
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٥١.
(٢) تفسير الآلوسى ج ٧ ص ٢٤٠.