فالجواب : أنهم ما عبدوها إلا عن طاعة الجن وأمرهم لهم بذلك كقوله : (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطاناً مَرِيداً) وكقوله (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ ، إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ، وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) وتقول الملائكة يوم القيامة : (سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ) (١).
وقال ـ سبحانه ـ (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَ) ولم يقل : وجعلوا الجن شركاء لله. لإفادة أن محل الغرابة والنكارة أن يكون لله شركاء. ولو قال وجعلوا الجن شركاء لله لأوهم أن موضع الإنكار أن يكون الجن شركاء لله لكونهم جنا. وليس الأمر كذلك ، بل المنكر أن يكون لله شريك من أى جنس كان.
وجملة : (وَخَلَقَهُمْ) حال من فاعل (جَعَلُوا) مؤكدة لما في جعلهم ذلك من كمال القباحة والبطلان.
أى : وجعلوا لله شركاء الجن والحال أنهم قد علموا أن الله وحده هو الذي خلقهم دون الجن وليس من يخلق كمن لا يخلق ، وعليه فالضمير في خلقهم يعود على المشركين الذين جعلوا لله شركاء.
وقيل الضمير للشركاء أى : والحال أنهم قد علموا أن الله هو الذي خلق الجن فكيف يجعلون مخلوقه شريكا له؟.
وقوله (وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ) أى : واختلقوا وافتروا له بجهلهم وانطماس بصيرتهم بنين وبنات من غير أن يعلموا حقيقة ما قالوه من خطأ أو صواب ، ولكن رميا بقول عن عمى وجهالة من غير فكر وروية. أو بغير علم بمرتبة ما قالوه وأنه من الشناعة والبطلان بحيث لا يقادر قدره ، وفيه ذم لهم بأنهم يقولون ما يقولون بمجرد الرأى والهوى وفيه إشارة إلى أنه لا يجوز أن ينسب إليه ـ تعالى ـ إلا ما قام الدليل على صحته.
قال الراغب : «أصل الخرق قطع الشيء على سبيل الفساد من غير تدبر ولا تفكر ، قال ـ تعالى ـ (أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها) ، وهو ضد الخلق لأن الخلق هو فعل الشيء بتقدير ورفق» (٢).
ثم ختمت الآية الكريمة بتنزيه الله ـ تعالى ـ عما نسبوه إليه فقال ـ تعالى ـ : (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ) أى : تقدس وتنزه وتعاظم عما يصفه به هؤلاء الضالون من الأجداد والأولاد والنظراء والشركاء.
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ١٦٠).
(٢) مفردات القرآن للراغب الأصفهاني ص ١٤٦.