منصب الرسالة ليس مما ينال بما يزعمونه من كثرة المال والولد ، وتعاضد الأسباب والعدد ، وإنما ينال بفضائل نفسانية ، ونفس قدسية أفاضها الله ـ تعالى ـ بمحض الكرم والجود على من كمل استعداده» (١).
هذا. وقد وردت أحاديث كثيرة تحدث النبي صلىاللهعليهوسلم فيها عن اصطفاء الله له وفضله عليه ، ومن ذلك ما رواه الإمام مسلم عن وائلة ابن الأسقع قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن الله ـ عزوجل ـ اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل ، واصطفى من بنى إسماعيل بنى كنانة ، واصطفى من بنى كنانة قريشا ، واصطفى من قريش بنى هاشم ، واصطفى من بنى هاشم محمدا صلىاللهعليهوسلم» (٢).
وروى الإمام أحمد عن المطلب بن أبى وداعة عن العباس عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إن الله خلق الخلق فجعلني في خير خلقه ، وجعلهم فريقين ، فجعلني في خير فرقة ، وخلق القبائل فجعلني في خير قبيلة ، وجعلهم بيوتا ، فجعلني في خيرهم بيتا ، فأنا خيركم بيتا وخيركم نفسا» (٣).
ثم بين ـ سبحانه ـ عاقبة أولئك الماكرين الحاسدين للنبي صلىاللهعليهوسلم على ما آتاه الله من فضله فقال : (سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ عِنْدَ اللهِ وَعَذابٌ شَدِيدٌ بِما كانُوا يَمْكُرُونَ).
قال القرطبي ما ملخصه : الصغار : الضيم والذل والهوان. والمصدر الصغر بالتحريك ـ وأصله من الصغر دون الكبر فكأن الذل يصغر إلى المرء نفسه وقيل : أصله من الصغر وهو الرضا بالذل. والصاغر : الراضي بالذل. وأرض مصغرة : نبتها صغير لم يطل. ويقال : صغر ـ بالكسر ـ يصغر صغرا وصغارا فهو صاغر إذا ذل وهان» (٤).
والمعنى : سيصيب الذين أجرموا بعد تكبرهم وغرورهم وتطاولهم ذل عظيم وهوان شديد ثابت لهم عند الله في الدنيا والآخرة ، وبسبب مكرهم المستمر ، وعدائهم الدائم لرسل الله وأوليائه.
والجملة الكريمة استئناف آخر ناع على أولئك الماكرين ما سيلقونه من ألوان العقوبات بعد ما نعى عليهم حرمانهم مما أنكره من إيتائهم مثل ما أوتى رسل الله ، والسين للتأكيد.
والعندية في قوله «عند الله» مجاز عن حشرهم يوم القيامة ، أو عن حكمه سبحانه ـ وقضائه
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٨ ص ٢١.
(٢) أخرجه مسلم في كتاب الفضائل.
(٣) المسند للإمام أحمد ج ١ ص ٢١٠ طبعة الحلبي.
(٤) تفسير القرطبي ج ٧ ص ٨٠.