و (مُحَرَّماً) صفة لموصوف محذوف ، أى : شيئا محرما ، أو طعاما محرما ، وهو المفعول الأول لأجد ، أما المفعول الثاني فهو (فِي ما أُوحِيَ إِلَيَ) قدم للاهتمام به.
وقوله (يَطْعَمُهُ) في موضع الصفة لطاعم جيء به قطعا للمجاز كما في قوله (وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ).
ثم بين ـ سبحانه ـ ما حرمه فقال : (إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً ، أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً ، أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ).
أى : لا أجد فيما أوحاه الله إلى الآن شيئا محرما من المطاعم إلا أن يكون هذا الشيء أو ذلك الطعام (مَيْتَةً) أى : بهيمة ماتت حتف أنفها.
(أَوْ دَماً مَسْفُوحاً) أى : دما مصبوبا سائلا كالدم الذي يخرج من المذبوح عند ذبحه ، لا الدم الجامد كالكبد والطحال ، والسفح : الصب والسيلان.
(أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ) أى اللحم لأنه المحدث عنه ، أو الخنزير لأنه الأقرب أو جميع ما ذكر من الميتة والدم ولحم الخنزير.
(رِجْسٌ) أى : قذر خبيث تعافه الطباع السليمة وضار بالأبدان (أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) أى : خروجا عن الدين ، لكونه عند ذبحه قد ذكر عليه غير اسمه ـ تعالى ـ من صنم أو وثن أو طاغوت أو نحو ذلك.
والإهلال : رفع الصوت عند رؤية الهلال ، ثم استعمل لرفع الصوت مطلقا ، ومنه إهلال الصبى ، والإهلال بالحج ، وكانوا في الجاهلية إذا أرادوا ذبح ما قربوه إلى آلهتهم سموا عليها أسماءها ـ كاللات والعزى ـ ورفعوا بها أصواتهم ، وسمى ذلك إهلالا.
وإنما سمى (ما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ) فسقا ، لتوغله في باب الفسق ، والخروج عن الشريعة الصحيحة ، ومنه قوله ـ تعالى ـ (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ).
ثم بين ـ سبحانه ـ حكم المضطر فقال : (فَمَنِ اضْطُرَّ) :
أى : فمن أصابته الضرورة الداعية إلى تناول شيء مما ذكر ، بأن ألجئ بإكراه أو جوع مهلك ـ مع فقد الحلال ـ إلى أكل شيء من هذه المحرمات التي كانوا في الجاهلية يستحلونها ، فلا إثم عليه في أكلها.
واضطر : مأخوذ من الاضطرار وهو الاحتياج إلى الشيء ، يقال : اضطره إليه ، أى أحوجه والجأه فاضطر.
ثم قيد ـ سبحانه ـ حالة الاضطرار بقوله : (غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ).