والمثنى بن حارثة ، والنعمان بن شريك ، وكان مفروق بن عمر وأغلب القوم لسانا وأفصحهم بيانا ، فالتفت إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقال له :
إلام تدعو يا أخا قريش؟ فقال النبي صلىاللهعليهوسلم أدعوكم إلى شهادة أن أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنى رسول الله ، وأن تؤوونى وتنصروني وتمنعوني حتى أؤدي حق الله الذي أمرنى به ، فإن قريشا تظاهرت على أمر الله وكذبت رسوله واستغنت بالباطل عن الحق ، والله هو الغنى الحميد.
فقال له مفروق : وإلام تدعو أيضا يا أخا قريش؟ فتلا رسول الله صلىاللهعليهوسلم (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ). إلى آخر الآيات الثلاث.
فقال له مفروق : وإلام تدعو أيضا يا أخا قريش؟ فو الله ما هذا من كلام أهل الأرض ولو كان من كلامهم لعرفناه. فتلا رسول الله صلىاللهعليهوسلم (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ). الآية.
فقال له مفروق : دعوت والله يا أخا قريش إلى مكارم الأخلاق ، ومحاسن الأعمال ، وقد أفك قوم كذبوك وظاهروا عليك.
وقال هانئ بن قبيصة : قد سمعت مقالتك ، واستحسنت قولك يا أخا قريش ، ويعجبني ما تكلمت به ، فبشرهم الرسول ـ إن آمنوا ـ بأرض فارس وأنهار كسرى. فقال له النعمان : اللهم وإن ذلك لك يا أخا قريش؟ فتلا رسول الله صلىاللهعليهوسلم (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً. وَداعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً) ثم نهض رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
هذا جانب من فضائل هذه الآيات الثلاث ، وذلك هو تأثيرها في نفوس العرب ، والآن فلنبدأ في التفسير التحليلى لها فنقول :
لقد بدئت الآيات بقوله ـ تعالى ـ (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ).
أى : قل أيها الرسول الكريم لهؤلاء الذين حللوا وحرموا حسب أهوائهم ، تعالوا إلى وأقبلوا نحوي لأبين لكم ما حرمه ربكم عليكم ، ولأتلو على مسامعكم ما أمركم به ، وما نهاكم عنه خالقكم ومربيكم ، فإنكم إن أقبلتم نحوي وأطعمتمونى سعدتم في دينكم ودنياكم.
وفي تصدير هذه الوصايا بكلمة (قُلْ) إشعار من أول الأمر بأن هذا بيان إليه ، ليس الرسول فيه إلا ناقلا مبلغا ، وفيه ـ أيضا ـ دلالة على أن المأمور به يحتاج إلى مزيد عناية واهتمام وقد سبق أن بينا أن سورة الأنعام زاخرة بهذا الأسلوب التلقينى الذي يبدأ بكلمة (قُلْ).
والأصل في كلمة تعال أن يقولها من كان في مكان عال لمن هو أسفل منه ، ثم اتسع فيها