أخرى. بل خصوه وحده بالعبادة والخضوع والطاعة فإنه هو الخالق لكل شيء.
وصدر ـ سبحانه ـ هذه الوصايا بالنهى عن الشرك ، لأنه أعظم المحرمات وأكبرها إفسادا للفطرة ، ولأنه هو الجريمة التي لا تقبل المغفرة من الله ، بينما غيره قد يغفره ـ سبحانه ـ قال ـ تعالى ـ : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ).
وقد ساق القرآن مئات الآيات التي تدعو إلى الإيمان وتنفر من الشرك وتقيم الأدلة الساطعة ، والبراهين الدامغة على وحدانية الله ـ عزوجل ـ.
هذا ، وقد ذكر الشيخ الجمل في إعراب هذه الجملة الكريمة ألا تشركوا به شيئا عدة آراء منها :
١ ـ أنّ تكون أن تفسيرية ، لأنه تقدمها ما هو بمعنى القول لا حروفه ، ولا ناهية ولا تشركوا مجزوم بها.
٢ ـ أن تكون أن ناصية للفعل بعدها ، وهي وما في حيزها في محل نصب بدلا من (ما حَرَّمَ) ولا زائدة لئلا يفسد المعنى كزيادتها في قوله : (أَلَّا تَسْجُدَ) ، ولئلا يعلم.
٣ ـ تكون أن ناصبة وما في حيزها منصوب على الإغراء بعليكم ويكون الكلام قد تم عند قوله (رَبُّكُمْ) ثم ابتدأ فقال : عليكم ألا تشركوا أى الزموا نفى الشرك.
٤ ـ أنها وما في حيزها في محل نصب أو جر على حذف لام العلة ، والتقدير تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم لئلا تشركوا به شيئا.
٥ ـ أن تكون هي وما بعدها في محل نصب بإضمار فعل تقديره : أوصيكم ألا تشركوا.
ونكتفي بهذا القدر من وجوه الإعراب التي توسع فيها النحاة توسعا كبيرا ، بسبب ورود بعض هذه الوصايا بصيغة النهى ، وبعضها بصيغة الأمر ، مع تقدم فعل التحريم على جميعها (١).
أما الوصية الثانية : في قوله ـ تعالى ـ (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) أى : أحسنوا بهما إحسانا كاملا لا إساءة معه.
وقد قرن ـ سبحانه ـ هذه الوصية بالوصية الأولى التي هي توحيده وعدم الإشراك به ، في هذه الآية وفي غيرها ، للإشعار بعظم هذه الوصية وللتنبيه إلى معنى واحد ـ يجمعها مع الأولى وهو أن المنعم يجب أن يشكر ؛ فالوالدان سبب في حياة الولد فيجب أن يشكرهما ويحسن إليهما ، والله ـ تعالى ـ هو الخالق المنعم فيجب أن يشكر ويفرد بالعبادة والطاعة.
__________________
(١) راجع حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ١٠٧ وتفسير الآلوسى ج ٨ ص ٥٧.