النبي صلىاللهعليهوسلم ، وتثبيت فؤاده ، وتسليته عما يتقوله المشركون من أكاذيب وأباطيل ، وإفهام الداعي إلى الله في كل زمان ومكان أن من الواجب عليه أن يكون قوى القلب في تحمل مهمته ، مطمئن البال على حسن عاقبته ، لا يتأثر بالمخالفة ، ولا يضيق صدره بالإنكار.
وقد فسر صاحب الكشاف الحرج بالشك فقال : (فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ) أى شك منه كقوله : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ) وسمى الشك حرجا لأن الشاك ضيق الصدر حرجه ، كما أن المتيقن منشرح الصدر منفسحه. أى : لا تشك في أنه منزل من الله ، ولا تتحرج من تبليغه ، لأنه كان يخاف قومه وتكذيبهم له وإعراضهم عنه وأذاهم. فكان يضيق صدره من الأداء ولا ينبسط له ، فأمنه الله ونهاه عن المبالاة بهم» (١).
وعلى أية حال فإن من فسر الحرج بالضيق راعى مدلول الكلمة الأصلى ومن فسره بالشك راعى الاستعمال المجازى ولذا قال الآلوسى :
قوله تعالى ـ : (فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ) أى : شك. وأصله الضيق ، واستعماله في الشك مجاز علاقته اللزوم ، فإن الشاك يعتريه ضيق الصدر ، كما أن المتيقن يعتريه انشراحه وانفساحه» (٢).
ولفظ (كِتابٌ) يكون مبتدأ إذا جعلنا «المص» اسما للسورة ، وإلا كان خبرا لمبتدأ محذوف والتقدير : هذا كتاب. وتنكيره للتفخيم والتعظيم وجملة (أُنْزِلَ إِلَيْكَ) صفة له دالة على كمال تعظيم قدره وقدر من أنزل عليه.
وإنما قيل : (أُنْزِلَ) ولم يقل أنزله الله وأنزلناه ، للإيذان بأن المنزل مستغن عن التعريف لشرفه وغاية ظهوره.
ثم بين ـ سبحانه ـ العلة في إنزال الكتاب فقال : (لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ).
الإنذار : هو الإعلام المقترن بالتخويف من سوء عاقبة المخالفة.
أى : أنزلنا إليك الكتاب لتنذر به قومك وسائر الناس ، وتذكر به أهل الإيمان والطاعة ذكرى نافعة مؤثرة ، لأنهم هم المستعدون لذلك ، وهم المنتفعون بإرشادك.
قال تعالى : (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ).
وقال تعالى : (تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ).
وقال تعالى : (إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ).
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٨٦ ، طبعة دار الكتاب العربي ببيروت.
(٢) تفسير الآلوسى ج ٨ ص ٧٤ منبر الدمشقي.