أما الرأى الثاني : فيرى أصحابه أن أصحاب الأعراف قوم من أشرف الخلق وعدولهم كالأنبياء والصديقين والشهداء. وينسب هذا القول إلى مجاهد وإلى أبى مجلز فقد قال مجاهد : «أصحاب الأعراف قوم صالحون فقهاء علماء» وقال أبو مجلز : أصحاب الأعراف هم رجال من الملائكة يعرفون أهل الجنة وأهل النار. ومعنى كونهم رجالا ـ في قول أبى مجلز أى : في صورتهم.
وقد رجح بعض العلماء الرأى الثاني فقال : «وليس أصحاب الأعراف ممن تساوت حسناتهم وسيئاتهم كما جاء في بعض الروايات ، لأن ما نسب إليهم من أقوال لا يتفق مع انحطاط منزلتهم عن أهل الجنة ، انظر قولهم للمستكبرين :
(ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ) فإن هذا الكلام لا يصدر إلا من أرباب المعرفة الذين اطمأنوا إلى مكانتهم. ولذا أرجح أن رجال الأعراف هم عدول الأمم والشهداء على الناس ، وفي مقدمتهم الأنبياء والرسل (١)».
والذي نراه : أن هناك حجابا بين الجنة والنار ، الله أعلم بحقيقته ، وأن هذا الحجاب لا يمنع وصول الأصوات عن طريق المناداة ، وأن هذا الحجاب من فوقه رجال يرون أهل الجنة وأهل النار فينادون كل فريق بما يناسبه ، يحيون أهل الجنة ويقرعون أهل النار ، وأن هؤلاء الرجال ـ يغلب على ظننا ـ أنهم قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم. لأن هذا القول هو قول جمهور العلماء من السلف والخلف ، ولأن الآثار تؤيده ، ولذا قال ابن كثير : «واختلفت عبارات المفسرين في أصحاب الأعراف من هم؟ وكلها قريبة ترجع إلى معنى واحد ، وهو أنهم قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم ، نص عليه حذيفة وابن عباس وابن مسعود وغير واحد من السلف والخلف رحمهمالله (٢)».
وقوله : (لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ) فيه وجهان :
أحدهما : أنه في أصحاب الأعراف ، أى أن أصحاب الأعراف عند ما رأوا أهل الجنة سلموا عليهم حال كونهم ـ أى أصحاب الأعراف ـ لم يدخلوها معهم وهم طامعون في دخولها مترقبون له.
وثانيهما : أنه في أصحاب الجنة : أى : أنهم لم يدخلوها بعد ، وهم طامعون في دخولها لما ظهر لهم من يسر الحساب. وكريم اللقاء.
__________________
(١) تفسير القرآن الكريم ص ٥٠٣ لفضيلة الأستاذ الأكبر الشيخ محمود شلتوت.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٢١٦.