(إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْها) وهو يريد عودة قومه ، إلا أنه نظم نفسه في جملتهم وإن كان بريئا من ذلك إجراء لكلامه على حكم التغليب (١).
هذا هو الجواب الذي اختاره الزمخشري وتبعه فيه بعض العلماء ، وهناك أجوبة أخرى ذكرها المفسرون ومنها :
١ ـ أن هذا القول جار على ظنهم أنه كان في ملتهم ، لسكوته قبل البعثة عن الإنكار عليهم.
٢ ـ أنه صدر عن رؤسائهم تلبيسا على الناس وإيهاما لهم بأنه كان على دينهم وما صدر عن شعيب ـ عليهالسلام ـ كان على طريق المشاكلة.
٣ ـ أن قولهم : (أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا) بمعنى : أو لتصيرن ، إذ كثيرا ما يرد «عاد» بمعنى «صار» فيعمل عمل كان. ولا يستدعى الرجوع إلى حالة سابقة ، بل عكس ذلك ، وهو الانتقال من حال سابقة إلى حال مؤتنفة ، وكأنهم قالوا لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتصيرن كفارا مثلنا».
قال الإمام الرازي : تقول العرب : قد عاد إلى فلان مكره ، يريدون : قد صار منه المكر ابتداء.
وقال صاحب الانتصاف : إنه يسلم استعمال «العود» بمعنى الرجوع إلى أمر سابق ، ويجاب عن ذلك بمثل الجواب عن قوله ـ تعالى ـ : (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ). والإخراج يستدعى دخولا سابقا فيما وقع الإخراج منه. ونحن نعلم أن المؤمن الناشئ في الإيمان لم يدخل قط في ظلمة الكفر ، ولا كان فيها. وكذلك الكافر الأصلى ، لم يدخل قط في نور الإيمان ولا كان فيه ، ولكن لما كان الإيمان والكفر من الأفعال الاختيارية التي خلق الله العبد متيسرا لكل واحد منهما متمكنا منه لو أراده ، فعبر عن تمكن المؤمن من الكفر ثم عدوله إلى الإيمان ، إخبارا بالإخراج من الظلمات إلى النور توفيقا من الله له ، ولطفا به ، وبالعكس في حق الكافر وفائدة اختياره في هذه المواضع ، تحقيق التمكن والاختيار ؛ لإقامة حجة الله على عباده» (٢).
هذه بعض الأجوبة التي أجاب بها العلماء على قول قوم شعيب (أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا) ولعل أرجحها هو الرأى الذي اختاره صاحب الكشاف «لبعده عن التكلف ، واتساقه مع رد شعيب عليهم». فقد قال لهم :
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ١٢٩.
(٢) الانتصاف على الكشاف ج ٢ ص ١٢٩.