الاستفهام للإنكار والتوبيخ. ويهد : أى يتبين ، يقال : هداه السبيل أو الشيء وهداه إليه ، إذا دله عليه وبينه له.
أى : أو لم يتبين لهؤلاء الذين يعيشون على تلك الأرض التي ورثوها بعد أهلها المهلكين ، أننا في قدرتنا أن ننزل بهم العذاب بسبب ذنوبهم كما أنزلناه بأولئك المهلكين.
والمراد بالذين يرثون الأرض من بعد أهلها ، أهل مكة ومن حولها الذين أرسل النبي صلىاللهعليهوسلم لهدايتهم. وقيل المراد بهم الأحياء في كل زمان ومكان الذين يخلفون من سبقهم من الأمم.
قال الجمل : وفاعل (يَهْدِ) فيه وجوه أظهرها : أنه المصدر المؤول من أن وما في حيزها والمفعول محذوف. والتقدير : أو لم يهد أى يبين ويوضح للوارثين مآلهم وعاقبة أمرهم إصابتنا إياهم بذنوبهم لو شئنا ذلك» (١).
وقوله : (وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) جملة مستأنفة لإثبات حصول الطبع على قلوبهم.
أى : ونحن نطبع على قلوبهم ونختم عليها ، بسبب اختيارهم الكفر على الإيمان ، فهم لذلك لا يسمعون الحكم والنصائح سماع تفقه وتدبر واتعاظ.
والذي يتأمل في الآيات السابقة يراها تحذر الناس بأساليب متنوعة حكيمة من الغفلة عن العظات والعبر ، وتحضهم على التخلص من الأمن الكاذب ، والشهوات المردية. والمتع الزائلة.
وما يريد القرآن بهذا أن يعيش الناس قلقين ، يرتجفون من الهلاك والدمار أن يأخذهم في لحظة من ليل أو نهار.
كلا ، ما يريد منهم ذلك لأن القلق الدائم من المستقبل ، يشل طاقة البشر ، وقد ينتهى بهم إلى اليأس من العمل والإنتاج وتنمية الحياة.
وإنما الذي يريده القرآن منهم أن يتعظوا بآيات الله في كونه ، وأن يكونوا دائما على صلة طيبة به ، وأن يبتغوا فيما آتاهم الله من فضله الدار الآخرة دون أن ينسوا نصيبهم من الدنيا ، وألا يغتروا بطراوة العيش ، ورخاء الحياة ، وقوة الجاه ، كي لا يقودهم ذلك إلى الفساد والطغيان ، والاستهتار والانحلال.
وإذا كان القرآن في هذه الآية قد حذر وأنذر ، فلأنه يعالج كل أمة وجماعة بالطب الذي يناسبها ويلائمها ، فهو يعطيها جرعات من الأمن والثقة والطمأنينة حين يرسخ الإيمان في قلوب أبنائها ، وحين يراقبون خالقهم في سرهم وعلنهم ، ويشكرونه على نعمه ، وهو يعطيها جرعات
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ١٣٤.