بحسنها إذ كل ما فيها حسن ، أو أمروا فيها بالخير ونهوا عن الشر ، وفعل الخير أحسن من ترك الشر ، وذلك لأن الكلمة المحتملة لمعنيين أو لمعان تحمل على أشبه محتملاتها بالحق وأقربها إلى الصواب. أو أن فيها حسنا وأحسن كالقود والعفو ، والانتصار والصبر ، والمأمور به والمباح فأمروا بأن يأخذوا بما هو أكثر ثوابا (١).
وقوله ـ تعالى ـ (سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ) توكيد لأمر القوم بالأخذ بالأحسن وبعث عليه على نهج الوعيد والتهديد.
أى : سأريكم عاقبة من خالف أمرى ، وخرج عن طاعتي ، كيف يصير إلى الهلاك والدمار ، فتلك سنتي التي لا تتغير ولا تتبدل.
قال ابن كثير : وإنما قال (سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ) كما يقول القائل لمن يخاطبه : سأريك غدا ما يصير إليه حال من خالفني على وجه التهديد والوعيد لمن عصاه وخالف أمره (٢) وقيل المراد بدار الفاسقين دار فرعون وقومه وهي مصر ، كيف أقفرت منهم ودمروا لفسقهم لتعتبروا فلا تفسقوا مثل فسقهم فيصيبكم ما أصابهم.
وقيل المراد بها منازل عاد وثمود والأقوام الذين هلكوا بسبب كفرهم.
وقيل المراد بها أرض الشام التي كان يسكنها الجبارون. فإنهم لم يدخلوها إلا بعد أربعين سنة من خروجهم من مصر على يد يوشع بن نون.
والذي نراه أن الرأى الأول أرجح ، لأن الآية الكريمة تحكى سنة من سنن الله في خلقه ، وهذه السنة تتمثل في أن كل دار تفسق عن أمر ربها تكون عاقبتها الذل والدمار ، ولأنه لم يرد حديث صحيح يعين المراد بدار الفاسقين.
فالآية الكريمة قد اشتملت على جانب من مظاهر نعم الله على نبيه موسى ـ عليهالسلام ـ كما اشتملت على الأمر الصريح منه ـ سبحانه ـ له بأن يهيئ نفسه لحمل تكاليف الرسالة بعزم وصبر ، وأن يأمر قومه بأن يأخذوا بأكملها وأعلاها بدون ترخيص أو تحايل ، لأنهم قوم كانت طبيعتهم رخوة وعزيمتهم ضعيفة ، ونفوسهم منحرفة. كما اشتملت على التحذير الشديد لكل من يخرج عن طاعة الله وينتهك حرماته.
ثم بين ـ سبحانه ـ عاقبة من يتكبرون في الأرض بغير الحق فقال ـ تعالى ـ :
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ١٩٠.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٢٤٦.