قال الإمام الماوردي في (أعلام النبوة) : (وقد تقدمت بشائر من سلف من الأنبياء ، بنبوة محمد صلىاللهعليهوسلم مما هو حجة على أممهم ، ومعجزة تدل على صدقه عند غيرهم ، بما أطلعه الله ـ تعالى ـ على غيبه ، ليكون عونا للرسل ، وحثا على القبول ، فمنهم من عينه باسمه ، ومنهم من ذكره بصفته ومنهم من عزاه إلى قومه ، ومنهم من أضافه إلى بلده ، ومنهم من خصه بأفعاله ، ومنهم من ميزه بظهوره وانتشاره ، وقد حقق الله ـ تعالى ـ هذه الصفات جميعها فيه ، حتى صار جليا بعد الاحتمال ، ويقينا بعد الارتياب) (١).
وجاء في (منية الأذكياء في قصص الأنبياء) : (إن نبينا ـ عليه الصلاة والسلام ـ قد بشر به الأنبياء السابقون ، وشهدوا بصدق نبوته ، ووصفوه وصفا رفع كل احتمال ، حيث صرحوا باسمه وبلده وجنسه وحليته وأطواره وسمته ، ومع أن أهل الكتاب حذفوا اسمه من نسخهم الأخيرة إلا أن ذلك لم يجدهم نفعا ، لبقاء الصفات التي اتفق عليها المؤرخون من كل جنس وملة وهي أظهر دلالة من الاسم على المسمى ، إذ قد يشترك اثنان في اسم ، ويمتنع اشتراك اثنين في جميع الأوصاف. لكن من أمد غير بعيد قد شرعوا في تحريف بعض الصفات ليبعد صدقها على النبي صلىاللهعليهوسلم فترى كل نسخة متأخرة تختلف عما قبلها في بعض المواضع اختلافا لا يخفى على اللبيب أمره ، ولا ما قصد به. ولم يفدهم ذلك غير تقوية الشبهة عليهم. لانتشار النسخ بالطبع وتيسير المقابلة بينها» (٢).
وقال المرحوم الشيخ (رحمة الله الهندي) في كتابه (إظهار الحق) (إن الأخبار الواقعة في حق محمد صلىاللهعليهوسلم توجد كثيرة إلى الآن ـ أيضا ـ مع وقوع التحريفات في هذه الكتب. ومن عرف أولا طريق أخبار النبي المتقدم عن النبي المتأخر. ثم نظر ثانيا بنظر الإنصاف إلى هذه الاخبارات وقابلها بالأخبارات التي نقلها الانجيليون في حق عيسى ـ عليهالسلام ـ جزم بأن الاخبارات المحمدية في غاية القوة) (٣).
وقد جمع صاحب كتاب (إظهار الحق) وغيره من العلماء والمؤرخين كثيرا من البشائر التي وردت في التوراة والإنجيل خاصة بالنبي صلىاللهعليهوسلم ومبينة نعوته وصفاته.
ومن أجمع ما جاء في التوراة خاصا بالنبي صلىاللهعليهوسلم ما أخرجه البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضى الله عنهما ـ قال : (قرأت في التوراة صفة النبي صلىاللهعليهوسلم (محمد رسول الله : عبدى ورسولي ، سميته المتوكل ، ليس بفظ ، ولا غليظ ، ولا صخاب في الأسواق ، ولا يجزى بالسيئة
__________________
(١) الباب الخامس عشر : فصل (بشائر الأنبياء بنبوة محمد صلىاللهعليهوسلم).
(٢) نقلا عن تفسير القاسمى ج ٧ ص ٢٨٧٤.
(٣) كتاب (إظهار الحق) للشيخ رحمة الله الهندي.