مستقل بمعنى ما أمروا به لم يؤخذوا به ، كما لو قالوا مكان حطة نستغفرك ونتوب إليك ، أو اللهم اعف هنا وما أشبه ذلك» (١).
وقال الإمام ابن كثير : «وحاصل ما ذكره المفسرون وما دل عليه السياق أنهم بدلوا أمر الله لهم من الخضوع بالقول والفعل. فقد أمروا أن يدخلوا الباب سجدا فدخلوا يزحفون على أستاههم رافعي رؤوسهم. وأمروا أن يقولوا حطة ـ أى احطط عنا ذنوبنا ـ فاستهزأوا وقالوا حنطة في شعيرة. وهذا في غاية ما يكون من المخالفة والمعاندة ولهذا أنزل الله بهم بأسه وعذابه بفسقهم وخروجهم عن طاعته» (٢).
وأخرج البخاري عن أبى هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «قيل لبنى إسرائيل ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة فبدلوا ودخلوا يزحفون على أستاههم وقالوا. حبة في شعيرة» (٣).
والعبرة التي تؤخذ من هذه الجملة الكريمة أن من أمره الله ـ تعالى بقول أو فعل فتركه وأتى بآخر لم يأذن به الله دخل في زمرة الظالمين ، وعرض نفسه لسوء المصير.
وقوله ـ تعالى ـ (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَظْلِمُونَ) تصريح بأن ما أصابهم من عذاب كان نتيجة عصيانهم وتمردهم وجحودهم لنعم الله.
والرجز : هو العذاب ، سواء أكان بالأمراض المختلفة أو بغيرها.
وفي النص على أن الرجز قد أتاهم من السماء إشعار بأنه عذاب لا يمكن دفعه ، وأنه لم يكن له سبب أرضى من عدوى أو نحوها ، بل رمتهم به الملائكة من جهة السماء فأصيب به الذين ظلموا دون غيرهم.
هذا وقد وردت في سورة البقرة آيتان تشبهان في ألفاظهما هاتين الآيتين اللتين معنا هنا في سورة الأعراف ، أما آيتا سورة البقرة فهما قوله ـ تعالى ـ :
(وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ ، نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ. فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ).
وقد عقد الإمام الرازي مقارنة بين أسلوب الآيتين في كل من السورتين فقال ما ملخصه : إن ألفاظ الآيتين في سورة الأعراف تخالف ألفاظ آيتي سورة البقرة من وجوه :
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ١ ص ١٤٣.
(٢) تفسير ابن كثير ج ١ ص ٩٩.
(٣) صحيح البخاري باب «وإذ قلنا ادخلوها هذه القرية» ج ٦ ص ٢٢.