أمر الله ، وانتهاكهم لحرماته.
والجملة من المبتدأ والخبر ، في موضع نصب على أنها صفة ل (أُمَماً).
وقوله (وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ) الجار والمجرور خبر مقدم و (دُونَ ذلِكَ) نعت لمنعوت محذوف هو المبتدأ والتقدير : ومنهم ناس أو جماعة دون ذلك.
وهذه الجملة الكريمة تدل على أن القرآن الكريم يستعمل الإنصاف والعدالة وتقرير الحقائق مع أعدائه وأتباعه على السواء ، فهو يمدح من يستحق المديح ، ويذم من هو أهل الذم ، وما أحوج الناس في كل زمان ومكان إلى التخلق بهذه الأخلاق.
وقوله ـ تعالى ـ (وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) أى عاملناهم معاملة المبتلى الممتحن تارة بالنعم الكثيرة كالصحة والخصب وسعة الأرزاق ، وتارة بالنقم المتنوعة كالجدب والأمراض والشدائد ، لعلهم يرجعون إلى طاعة ربهم ، ويتركون ما نهوا عنه من المعاصي والسيئات.
يقال : بلاه يبلوه بلوا ، وابتلاه ابتلاء ، إذا جربه واختبره ، ولقد كانت نتيجة هذا الابتلاء والاختبار أن تكشفت الحقائق عن أن الكثرة من بنى إسرائيل سلكت طريق الضلالة والغواية ، والقلة هي التي آمنت وأصلحت ولذا عاقب الله تلك الكثرة بالعقوبة التي تناسبها جزاء وفاقا.
هذا ، وما أخبر به القرآن من أن الله ـ تعالى ـ قد توعد بنى إسرائيل وأخبرهم بأنه سيسلط عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب بسبب كفرهم وفسوقهم قد شهد بصدقه التاريخ ، وأيدته الحوادث ، وهذه نماذج قليلة من تلك العقوبات التي نزلت بهم في الأزمنة المختلفة (١).
أولا : بعد وفاة سليمان ـ عليهالسلام ـ حوالى سنة ٩٧٥ ق م انقسمت مملكته إلى قسمين : مملكة الشمال ، واسمها (إسرائيل) ومقرها (السامرة) (٢) وتتكون من الأسباط العشرة.
ومملكة الجنوب واسمها (يهوذا) ومقرها (أورشليم) (٣) وتتكون من سبطي يهوذا وبنيامين.
وقد استمرت المنازعات بين المملكتين مدة طويلة ، انتهت بانقضاض (سرجون) ملك آشور على مملكة الشمال (إسرائيل) سنة ٧٢١ ق. م. فقتل الآلاف من رجالها ، وأسر البقية منهم
__________________
(١) ذكرنا هنا نماذج قليلة من تلك العقوبات ومن أراد معرفة المزيد فليرجع إلى كتابنا «بنو إسرائيل في القرآن والسنة» ج ٢ ص ٣٢٦ وما بعدها.
(٢) السامرة وهي نابلس الآن.
(٣) أورشليم هي بيت المقدس الآن.