له رجل : ألا أراك تصافح هذا الصابئ؟ فقال : والله إنى لأعلم أنه لنبي ، ولكن متى كنا لبنى عبد مناف تبعا؟ وتلا أبو يزيد (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ) (١).
فالآية الكريمة مسوقة على سبيل الاستئناف لتسلية النبي صلىاللهعليهوسلم عما كان يصيبه من المشركين ومما لا شك فيه أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ كان حريصا على إسلامهم ، فإذا ما رآهم معرضين عن دعوته حزن وأسف ، وفي معنى هذه الآية جاءت آيات كثيرة منها قوله ـ تعالى ـ : (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً) (٢).
ومنها قوله ـ تعالى ـ (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ) (٣).
ومنها قوله ـ تعالى ـ (فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ) (٤).
قال الجمل : والفاء في قوله (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ) للتعليل ، فإن قوله (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ) بمعنى لا يحزنك ، كما يقال في مقام المنع والزجر نعلم ما تفعل. ووجه التعليل : أن التكذيب في الحقيقة لي وأنا الحليم الصبور ، فتخلق بأخلاقى. ويحتمل أن يكون المعنى : إنه يحزنك قولهم لأنه تكذيب لي فأنت لم تحزن لنفسك بل لما هو أهم (٥).
والمعنى : إن هؤلاء الكفار ـ يا محمد ـ لا ينسبونك إلى الكذب ، فهم قد لقبوك بالصادق الأمين ، ولكنهم يجحدون الآيات الدالة على صدقك بإنكارها بألسنتهم مع اعتقادهم صدقها.
والجحود هو الإنكار مع العلم ، أى نفى ما في القلب ثبوته ، أو إثبات ما في القلب نفيه ، وفي التعبير بالجحود بعد نفى التكذيب إشارة إلى أن آيات الله واضحة بحيث يصدقها كل عاقل وأنه لا يصح إنكارها إلا عن طريق الجحود.
وقال ـ سبحانه ـ (وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ) ولم يقل (وَلكِنَّهُمْ) ، لبيان سبب جحودهم وهو الظلم الذي استقر في نفوسهم ، وفيه فوق ذلك تسجيل للظلم عليهم حتى يكونوا أهلا لما يصيبهم من عقاب.
ثم زاد القرآن في تعزية النبي صلىاللهعليهوسلم وتسليته عن طريق إخباره بما حدث للأنبياء من قبله فإن
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ١٣٠.
(٢) سورة الكهف : الآية ٦.
(٣) سورة فاطر الآية ٨.
(٤) سورة يس الآية ٧٦.
(٥) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٢٣.