وقوله (يَقُصُّ الْحَقَ) أى : يتبع الحق والحكمة فيما يحكم به ويقدره (وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ) أى : القاضين بين عباده.
قال ابن جرير : (وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ) أى : وهو من ميز بين المحق والمبطل وأعدلهم ، لأنه لا يقع في حكمه وقضائه حيف إلى أحد لوسيلة إليه ولا لقرابة ولا مناسبة ، ولا في قضائه جور لأنه لا يأخذ الرشوة في الأحكام فيجور ، فهو أعدل الحكام وخير الفاصلين» (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ حالهم فيما لو كان أمر إنزال العذاب عليهم بيد النبي عليه الصلاة والسلام فقال : (قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي) أى : قل لهم يا محمد لو أن في قدرتي وإمكانى العذاب الذي تتعجلونه ، لقضى الأمر بيني وبينكم.
قال صاحب الكشاف أى : لأهلكتكم عاجلا غضبا لربي. وامتعاضا من تكذيبكم به ، ولتخلصت منكم سريعا» (٢).
وجملة (وَاللهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ) تذييل ، أى : والله أعلم منى ومن كل أحد بحكمة تأخير العذاب وبوقت نزوله ، لأنه العليم. الخبير الذي عنده ما تستعجلون به.
والتعبير (بِالظَّالِمِينَ) إظهار في مقام ضمير الخطاب لإشعارهم بأنهم ظالمون في شركهم وظالمون في تكذيبهم لما جاء به النبي صلىاللهعليهوسلم.
قال ابن كثير : فإن قيل : فكيف الجمع بين هذه الآية وبين ما ثبت في الصحيحين عن عائشة أنها قالت لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : يا رسول الله ، هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ فقال : «لقد لقيت من قومك ، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة ، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت ، فانطلقت وأنا مهموم على وجهى فلم أستفق إلا بقرن الثعالب (٣) فرفعت رأسى فإذا أنا بسحابة قد أظلتنى فنظرت فيها فإذا جبريل فناداني فقال : إن الله قد سمع قول قومك لك ، وما ردوا به عليك وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم ، قال فناداني ملك الجبال وسلم على ثم قال يا محمد : إن الله قد سمع قول قومك لك. وأنا ملك الجبال وقد بعثني ربك إليك لتأمرنى بأمرك فإن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين ، فقلت له : بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا شريك له».
فقد عرض عليه عذابهم واستئصالهم فاستأناهم وسأل لهم التأخير لعل الله أن يخرج من أصلابهم من لا يشرك به شيئا.
__________________
(١) تفسير ابن جرير ج ٧ ص ١٣٥.
(٢) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٣٠ طبعة بيروت.
(٣) قرن الثعالب أو قرن المنازل : اسم مكان على بعد يوم وليلة من مكة وهو ميقات أهل نجد.