دون العذب وأطلق على النهر بالتوسع أو التغليب ، والبر ما يقابله من الأرض وهو ما يسمى باليابسة.
وهذه الجملة معطوفة على جملة ، وعنده مفاتح الغيب ، لإفادة تعميم علمه ـ سبحانه ـ بالأشياء الظاهرة المتفاوتة في الظهور بعد إفادة علمه بما لا يظهر للناس.
وقدم ذكر البر على البحر على طريقة الترقي من الأقل إلى الأعظم ، لأن قسم البحر من الأرض أكبر من قسم البر ، وخفاياه أكثر وأعظم ، وخصهما بالذكر لأنهما أعظم المخلوقات المجاورة للبشر.
ثم صرح ـ سبحانه ـ بشمول علمه لكل كلى وجزئى ، ولكل صغير وكبير ، ولكل دقيق وجليل ، فقال ـ تعالى ـ (وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها. وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ).
أى : وما تسقط ورقة ما من شجرة من الأشجار ولا حبة في باطن الأرض وأجوافها ، ولا رطب ولا يابس من الثمار أو غيرها إلا ويعلمه الله علما تاما شاملا ، لأن كل ذلك مكتوب ومحفوظ في العلم الإلهى الثابت.
وجملة (وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها) معطوفة على جملة ، ويعلم ما في البر والبحر ، لقصد زيادة التعميم في الجزئيات الدقيقة.
والمراد بظلمات الأرض بطونها ، وكنّى بالظلمة عن البطن لأنه لا يدرك ما فيه كما لا يدرك ما في الظلمة.
وقوله (إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) تأكيد لقوله «لا يعلمها» لأن المراد بالكتاب المبين علم الله ـ تعالى ـ الذي وسع كل شيء ، أو اللوح المحفوظ الذي هو محل معلوماته ـ عزوجل ـ.
قال الإمام الرازي : قال الزجاج : يجوز أن الله ـ تعالى ـ : أثبت كيفية المعلومات في كتاب من قبل أن يخلق الخلق كما قال ـ تعالى ـ : (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها).
ثم قال الإمام الرازي : وفائدة هذا الكتاب أمور :
أحدها : أنه ـ تعالى ـ : إنما كتب هذه الأحوال في اللوح المحفوظ لتقف الملائكة على نفاذ علمه في المعلومات ، وأنه لا يغيب عنه مما في السموات والأرض شيء ، فيكون ذلك عبرة تامة كاملة للملائكة الموكلين باللوح المحفوظ لأنهم يقابلون به ما يحدث في صحيفة هذا العالم فيجدونه موافقا له.