لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٦٣) قُلِ اللهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ) (٦٤)
قوله ـ تعالى ـ : (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ) أى : ينيمكم فيه. والتوفي أخذ الشيء وافيا ، أى تاما كاملا. والتوفي يطلق حقيقة على الإماتة ، وإطلاقه على النوم ـ كما هنا ـ مجاز لشبه النوم بالموت في انقطاع الإدراك والعمل والإحساس قال ـ تعالى ـ : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) فهذه الآية صريحة في أن التوفي أعم من الموت ، فقد صرحت بأن الأنفس التي تتوفى في منامها غير ميتة ، فهناك وفاتان : وفاة كبرى وتكون بالموت ، ووفاة صغرى وتكون بالنوم. والمعنى : وهو ـ سبحانه ـ الذي يتوفى أنفسكم في حالة نومكم بالليل ، دون غيره لأن غيره لا يملك موتا ولا حياة ولا نشورا.
(وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ) أى : ما كسبتم وعملتم فيه من أعمال. وأصل الجرح تمزيق جلد الحي بشيء محدد مثل السكين والسيف والظفر والناب وأطلق هنا على ما يكتسبه الإنسان بجوارحه من يد أو رجل أو لسان.
وتخصيص الليل بالنوم ، والنهار بالكسب جريا على المعتاد ، لأن الغالب أن يكون النوم ليلا ، وأن يكون الكسب والعمل نهارا ، قال ـ تعالى ـ :
(وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً).
(ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى) أى : ثم إنه بعد توفيكم بالنوم يوقظكم منه في النهار ، لأجل أن يقضى كل فرد أجله المسمى في علم الله ـ تعالى ـ ، والمقدر له في هذه الدنيا ، فقد جعل ـ سبحانه ـ لأعماركم آجالا محددة لا بد من قضائها وإتمامها.
وجملة (ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ) معطوفة على (يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ) فتكون ثم للمهلة الحقيقية وهو الأظهر.
(ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ، ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أى : ثم إليه وحده يكون رجوعكم بعد انقضاء حياتكم في هذه الدنيا ، فيحاسبكم على أعمالكم التي اكتسبتموها فيها ، إن خيرا فخير وإن شرا فشر.
فالآية الكريمة تسوق للناس مظهرا من مظاهر قدرة الله وتبرهن لهم على صحة البعث