وفي الصحيحين عن أبى هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار يجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ؛ ثم يعرج بالذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم : كيف تركتم عبادي فيقولون : تركناهم وهم يصلون ، وأتيناهم وهم يصلون».
قال صاحب الكشاف : فإن قلت إن الله ـ تعالى ـ غنى بعلمه عن كتابة الملائكة فما فائدتها؟ قلت : فيها لطف للعباد ، لأنهم إذا علموا أن الله رقيب عليهم ، والملائكة الذين هم أشرف خلقه موكلون بهم يحفظون عليهم أعمالهم ويكتبونها في صحائف تعرض على رءوس الأشهاد في مواقف القيامة ، كان ذلك أزجر لهم عن القبيح وأبعد عن السوء) (١).
وجملة (وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً) يجوز أن تكون معطوفة على اسم الفاعل الواقع صلة ل (أل) ، لأنه في معنى يقهر والتقدير وهو الذي يقهر عباده ويرسل ، فعطف الفعل على الإسم لأنه في تأويله.
وقوله (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ) أى : حتى إذا احتضر أحدكم وحان أجله قبضت روحه ملائكتنا الموكلون بذلك حالة كونهم لا يتوانون ولا يتأخرون في أداء مهمتهم.
قال الآلوسى : وحتى في قوله : (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) هي التي يبتدأ بها الكلام وهي مع ذلك تجعل ما بعدها من الجملة الشرطية غاية لما قبلها ، كأنه قيل : ويرسل عليكم حفظة يحفظون ما يحفظون منكم مدة حياتكم ، حتى إذا انتهت مدة أحدكم وجاءت أسباب الموت ومباديه توفته رسلنا الآخرون المفوض إليهم ذلك ، وانتهى هناك حفظ الحفظة. والمراد بالرسل ـ على ما أخرجه ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس ـ أعوان ملك الموت (٢).
وقال الجمل : فإن قلت : إن هناك آية تقول : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها) وثانية تقول : (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ) والتي معنا تقول (تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا) فكيف الجمع بين هذه الآيات؟.
فالجواب على ذلك أن المتوفى في الحقيقة هو الله ، فإذا حضر أجل العبد أمر الله ملك الموت بقبض روحه ، ولملك الموت أعوان من الملائكة فيأمرهم بنزع روح ذلك العبد من جسده ، فإذا وصلت إلى الحلقوم تولى قبضها ملك الموت نفسه ، وقيل المراد من قوله (تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا) ملك الموت وحده وإنما ذكر بلفظ الجمع تعظيما له (٣).
__________________
(١) الكشاف ج ٢ ص ٣٣.
(٢) تفسير الآلوسى ج ٧ ص ٧٦.
(٣) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٤٠.