ويؤيّده ، بل يدلّ عليه أنّ وضع اللفظ لنفس المعاني من غير كون المتكلّم مريدا للتفهيم لا فائدة له ولا تترتّب عليه ثمرة ونحن غير محتاجين إليه أصلا ، فليس وضعه من الحكمة ؛ ولهذا لو سمعنا لفظ زيد من اصطكاك حجرين لانتقلنا إلى معناه لكن قيد الإرادة في المقام مفقود ، فالمتكلّم إنّما يريد إفهام السامع أنّه مريد لهذه المعاني.
فما ذكره الشيخ الرئيس (١) والمحقق الطوسي (٢) من أنّ الدلالة تابعة للإرادة مرادهما الدلالة اللفظيّة الوضعيّة لا الأنسيّة ، فلا مجال للردّ عليهما بأنّا بمجرّد سماع هذا اللفظ من اصطكاك حجرين نفهم هذا المعنى ويسبق إلى أذهاننا ؛ لأنّ هذه الدلالة هي الدلالة الأنسيّة ولا ينكرها هذان العلمان ، وإنّما ينكران الوضعيّة عند التكلّم بلا شعور ولا اختيار ، فافهم أنّ الحقّ معهما في كون ما يدلّ عليه الوضع هو كون المتكلّم في صدد إفهام السامع أنّه مريد لمدلول هذا اللفظ مثلا.
ومن هنا يظهر أنّ كلّ إنسان واضع ؛ لأنّه عند تكلّمه إنّما يريد إفهام المخاطب مداليل هذه الألفاظ ، فهو متعهّد بهذا الإفهام فهو واضع أيضا إلّا أنّه واضع تبعا لا استقلالا ، بل بتبع الواضع الأوّل كما هو واضح.
ثمّ إنّ هذا التعهّد تارة يستكشف من تصريح الواضع بذلك التعهّد إمّا بلفظه أو بكتابته وتسمّى بالوضع التعييني ، واخرى يستفاد من كثرة استعماله هذا اللفظ عند إرادة هذا المعنى وتسمّى بالتعيني ، كما هو مشاهد في أكثر اللغات ؛ فإنّ غير العالم باللغة الإيرانيّة مثلا إذا استفاد أنّهم متى عطشوا أطلقوا لفظ (آب) مثلا فيؤتون بالماء يعرف أنّهم تعهّدوا أنّهم متى أرادوا هذا المعنى أطلقوا لفظة (آب) عليه فيعرف تعهّدهم حينئذ.
__________________
(١) انظر الشفاء ، قسم المنطق ، المقالة الأولى من الفن الأول ، الفصل الثامن ، الصفحة ٤٢.
(٢) انظر الجوهر النضيد : ٨ ، ونهاية الدراية ١ : ٧٢ حكى عنه من شرح منطق الإشارات.