(وأمّا ما ذكره مؤيّدا من عدم التناهي في المعاني فهو صحيح إلّا أنّ الواضع لا يلزمه أن يضع لجميع المعاني ، بل يضع بمقدار حاجته.
وأمّا عدم ذكره في التاريخ فإنّما هو لكون الوضع تدريجيّا فيضع آدم مثلا بمقدار حاجته ثمّ ولده بمقدار الحاجة المتجدّدة وهكذا ؛ ولذا لم يذكر واضع لكثرة الواضعين بحيث لا يمكن ذكرهم ولا مقتضى له لسهولة الوضع) (١).
وبالجملة ، فالظاهر ما ذكرنا من كون الوضع هو البناء والالتزام والتعهد أنّه متى أراد المعنى الفلاني يتلفّظ باللفظ الفلاني ، وإنّما أطلنا الكلام في هذا المقام مع أنّا بنينا على الاختصار في هذه المباحث التي لا يترتّب عليها كثير فائدة لأمرين :
أحدهما : ما سيأتي من عدم جواز استعمال المشترك في معنيين بإطلاق واحد ، بدعوى كون اللفظ ملحوظا فانيا في المعنى فناء الوجه في ذي الوجه والعنوان في المعنون ، فكيف يصحّ استعماله في معنيين؟ إلّا أن يكون اللاحظ أحول العينين كما في الكفاية (٢).
فقد ظهر صحّة الاستعمال ؛ إذ لا مانع من أن يبني أنّه متى تلفّظ بهذا اللفظ فهو يريد كلا هذين المعنيين كلّا على حدة ، كما يلتزم الواضع للعلم كونه علامة لانتهاء الفرسخ وكون الطريق من هاهنا.
نعم ، سيأتي أنّ هذا خلاف الظاهر من المتعهد والملتزم فلا يصار إليه بغير قرينة ، وهذا مانع إثباتي لا ثبوتي كما ادّعاه الآخوند قدسسره (٣).
وثانيهما : كون المعاني التي قد وضعت لها الألفاظ هي إرادة تفهيم هذه المعاني دون نفس المعاني ، ودلالة اللفظ على معناه إنّما هي دلالة أنسية لا ربط لها بالوضع.
__________________
(١) ما بين القوسين من اضافات بعض الدورات اللاحقة.
(٢) كفاية الاصول : ٥٣.
(٣) المصدر : ٥٤.