وما يقال من أنّا يمكن أن نتصوّر كلّيا من غير تشخيص فرده ويكون ذلك الفرد هو السبب في تصوّره ، كما إذا رأينا من بعيد شيئا لا نعرفه فنضع لفظا لكلّي ذلك الجزئي الخارجي الغير المعلوم.
ففيه : أنّ هذا الكلام مغالطة فإنّك عند وضعك قد لحظت كلّي ذلك الفرد وهذا مفهوم عامّ وهو الموضوع له.
وبالجملة ، فالفرد لا يوجب تصوّر الكلّي وليس مرآة له أصلا.
نعم ، قد يكون واسطة في ثبوت تصوّره. فالأقسام الممكنة هي الثلاثة الأوليّة ، والرابع مستحيل.
(ثمّ إنّه كما يكون المعنى الموضوع له عامّا تارة وخاصّا اخرى كذلك اللفظ الموضوع قد يكون خاصّا من حيث المادّة والهيئة وهو وضع الجوامد ، وقد يكون عامّا كوضع الهيئة في المشتقات فإنّه عامّ ، وكذا وضع المادّة في المشتقّات ؛ فإنّ المادّة موضوعة للمعنى في أيّ هيئة تحقّقت كما في مادة ق ع د ، وهيئة فاعل موضوع لاسم الفاعل من أيّ مادة تركّب ، ويسمّى بالوضع النوعي ، فافهم) (١).
فيقع الكلام في الواقع من هذه الأقسام في الخارج.
فنقول : أمّا القسم الأوّل فلا ريب في وقوعه كما في الوضع للكلّيات ، وكذا القسم الثالث كما في وضع الأعلام. وأمّا القسم الثاني فقد ادّعي (٢) وقوعه خارجا ومثّلوا له بوضع الحروف بدعوى أنّ المعنى المتصوّر عند وضعها عامّ والموضوع له خاصّ ؛ لأنّه الأفراد.
فيقع الكلام في المعنى الحرفي وتحقيقه أوّلا ، ثمّ يقع الكلام في كون القسم الثاني واقعا أم أنّه لم يقع وإن أمكن وقوعه.
__________________
(١) ما بين القوسين من اضافات بعض الدورات اللاحقة.
(٢) منهم السيد مير شريف الجرجاني والتفتازاني في حاشيته على المطوّل في مبحث الاستعارة ، وصاحب الفصول في فصوله : ١٦.