البراءة من التكليف ؛ للشكّ في تعلّق التكليف بما زاد على المتلبّس فتجرى البراءة عنه ؛ لقبح العقاب من غير بيان ولرفع ما لا يعلمون.
وإن ورد الحكم والذات متلبّسة بالمبدإ ثمّ انقضى بعد ذلك فأراد العبد الامتثال فمقتضى الاستصحاب تعلّق الحكم حينئذ.
ولا يخفى أنّ ما ذكره في الشقّ الأوّل من إجراء البراءة متين لا كلام لنا فيه ، إلّا أنّ ما ذكره من إجراء الاستصحاب فلو سلّمنا جريان الاستصحاب في الأحكام الكليّة إلّا أنّ استصحاب الحكم هنا لا يجري ؛ إذ يحتمل كون الحكم متعلّقا بعنوان العالم لا بالذات ، وحينئذ فبقاء الموضوع مشكوك ؛ إذ لو كان المشتقّ حقيقة في خصوص المتلبّس لكان الموضوع الذي تعلّق به الحكم مرتفعا قطعا ، ولو كان حقيقة في الأعمّ من المتلبّس والمنقضي لكان الموضوع باقيا ؛ إذ لو كان الموضوع هو الذات لكانت باقية ، أو العنوان لكان منتفيا ، وحينئذ فيكون المورد شبهة مصداقيّة لقوله : لا تنقض اليقين بالشكّ (١) ، وحينئذ فلا يجري الاستصحاب ؛ لأنّ إحراز الموضوع شرط فيه. هذا إن اريد استصحاب الحكم كما هو ظاهر كلام صاحب الكفاية أو صريحه.
وإن أراد استصحاب الموضوع كما يستصحب لو شكّ في انتفاء العالميّة عن العالم عالميّته فيرد عليه أوّلا : أنّ هذا يجري في الفرض الأوّل ، فكيف اجريت البراءة مع استصحاب الموضوع؟
وثانيا : وهو الحلّ أنّه ما ذا يستصحب؟ فإنّ الذات باقية قطعا فلا معنى لاستصحابها ، والعنوان منتف قطعا فلا معنى لاستصحابه ، وصدق العالم عليه الذي كان قبل ذلك لا معنى أيضا لاستصحابه ؛ لأنّ الشبهة فيه في مفهوم العالم وإنّ مفهومه بأيّ مقدار من السعة.
__________________
(١) انظر الوسائل ١ : ١٧٥ ، الباب الأوّل من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث الأوّل.