الاعتبار فمن المعلوم أنّ اللفظ لا يوجد ذلك الاعتبار ؛ إذ هو من الامور النفسيّة ، فكيف يوجده اللفظ في الخارج؟
نعم ، يكون اللفظ حينئذ كاشفا عن ذلك الاعتبار النفساني ، فهي مع الجملة الخبرية إلى هنا سواء في أنّ الخبرية كاشفة عن كون المتكلّم بصدد إفهام متعلّق إخباره والإنشائية كاشفة عن اعتباره النفساني ، غير أنّ الجملة الخبرية بما أنّ لمتعلّقها خارج تحكي عنه تتّصف بالصدق والكذب ، بخلافها فإنّ الجملة الإنشائية وإن كانت حاكية عن اعتباره النفساني ، إلّا أنّه على تقدير عدم الاعتبار خالف تعهّده والتزامه لا أنّه كاذب ، فافهم وتأمّل.
وهذا القول الذي ذكرناه في مفاد الجملة الخبرية والإنشائية هو ثاني الأقوال.
والقول الثالث : هو القول الذي ذهبت إليه الأشاعرة (١) وهو أنّ الجمل الخبرية موضوعة لإبراز الكلام النفسي ، والانشائية موضوعة لإبراز الطلب النفسي. ولو أنّهم اقتصروا على هذا لكان عين ما ذكرناه ، إلّا أنّهم زعموا أنّ الكلام النفسي والطلب كذلك من صفات النفس الحقيقيّة كالعلم واستشهدوا على ذلك بقول الشاعر : إنّ الكلام ... إلخ ، وبقول الرجل لصاحبه : إنّ في قلبي كلاما كثيرا لا يسعني بيانه. وسيأتي ذكر الأدلّة لهم وردّها.
فيقع الكلام في أنّه هل هناك صفة اخرى غير الشوق والإرادة ومقدّماتهما صفة تسمّى بالكلام النفسي أو الطلب النفسي ، أم ليس؟ وليعلم : أنّه على تقدير وجودها فلا تكون الجمل خبريّة وإنشائيّة موضوعة لتلك الصفات ، وإنّما تكون مبرزة لها ، فكونها موضوعة لذلك أمر مقطوع العدم ، إلّا أنّ الكلام في وجود صفة اخرى وعدمها ، وهو الجهة الثالثة من جهات البحث.
__________________
(١) راجع شرح المواقف ٨ : ٩٧ ـ ٩٩.