وقد ذكروا للفرق بين صفات الذات وصفات الفعل فروقا :
فمنها : أنّ ما لا يصحّ سلبه فهو من صفات الذات ، وما يصحّ سلبه فهو من صفات الفعل ، فيقال : ليس برازق لزيد ألف دينار هذا اليوم ، ولا يقال : ليس بعالم وليس بقادر.
ومنها : أنّ ما كان مسبوقا بالعلم والقدرة فهو من صفات الفعل وما لم يكن مسبوقا فهو من صفات الذات.
ومنها : أنّ ما كان مسبوقا بالإرادة فهو من صفات الفعل وما لم يكن مسبوقا بها فهو من صفات الذات.
وأحسنها الوسط ، أمّا الأخير فيرجع إليه ، إذ المسبوقيّة بالإرادة تستلزم المسبوقيّة بالعلم أيضا. وأمّا الأوّل فلأنّه وإن كان تامّا في الصفات المنتزعة من نفس الفعل ، إلّا أنّه لا يتمّ في الصفات المنتزعة من كيفيّة الفعل كما في الصدق ، فلا يقال : ليس بصادق مع أنّها من صفات الفعل ، وكذا ليس بعادل. وعلى ما ذكر في الأوّل يلزم كونه من صفات الذات.
الرابع : من الوجوه التي ذكرها الأشاعرة في إثبات الكلام النفسي هو : أنّ الله يوصف بالمتكلّم واتّصافه بها ليس بمعنى خالق الكلام ، بل لا بدّ من قيام المبدأ به ، ولو صحّ الاتّصاف مع عدم قيام المبدأ بل بمجرّد أنّه خالقه ومكوّنه لصحّ أن يوصف الله بالنائم والمتحرّك والساكن ؛ لأنّه خالق لها مع عدم صحّة ذلك ، وليس إلّا لعدم قيام المبدأ بالذات.
والجواب : أنّ المبدأ إن اريد به الكلام فليس قائما إلّا بالهواء ، فإنّ الكلام كيفيّة قائمة بالهواء ينشأ من تموّجات الهواء بتموّجات خاصّة ، وليس قائما بذات زيد في قولك : زيد متكلّم ، فضلا عن الله. وإن اريد بالمبدإ التكلّم ـ كما صرّح به بعضهم ـ فالتكلّم تفعّل بمعنى قبول الفعل ، والقبول في المقام بنحو الإيجاد والإصدار في جميع أمثلته في قولك : زيد متكلّم ، أو الله متكلّم.