معلولا لها ، وعلى هذا أرجعوا الأفعال كلّها إلى الله وزعموا أنّه علّة العلل ومع تحقّق علّة الفعل وهو الإرادة يتحقّق الفعل بعدها بغير اختيار المكلّف نظير حمرة الخجل وصفرة الوجل ، فكما أنّ الإنسان عند الخوف يصفرّ وجهه بغير اختياره كذلك عند تحقّق الإرادة ، فيكون الفعل حينئذ واجبا حتّى يوجد خارجا ، فهو مستند إلى إرادة العبد ومع تحقّقها فلا بدّ أن يوجد. وعلى هذا بنوا القول بقدم العالم ، حيث إنّ إرادة الله تعالى قديمة بقدمه ، فلا بدّ من قدم العالم ، وعلى ذلك بنوا القول بالعقول العشرة وبقيّة مزخرفاتهم.
وقد ظهر لك ممّا قدّمنا سابقا أنّ الثابت عندنا هو أنّ الشيء لا بدّ له من موجد والموجد في المقام متحقّق وهو نفس العبد ، فإنّه تصوّره فمال إليه فبنى على إيجاده فأوجده ، وهذا البناء ليس هو صفة الإرادة ، وإنّما هو فعل من أفعال النفس كتصوّره ومطالعته ، بل إنّ نفس تصوّر ذلك الشيء أيضا من أفعاله. ويدلّ عليه أنّه بعد بنائه على إيجاده هو قادر على ترك إيجاده فيستمرّ العدم السابق مثلا ، فهذا العمل الذي يعمله المكلّف مستند إلى بنائه على إيجاده الناشئ من تصوّره وإدراكه ملائمة الفعل لإحدى قواه النفسية ، فإنّه قد جبلت النفس على جلب ما تميل إليه ودفع ما تكره ، من جهة أنّ الإنسان يحبّ نفسه.
وقد ظهر ممّا ذكرنا كثير ممّا في كلام صاحب الكفاية قدسسره ونذكر منها أمرين :
الأوّل : تقسيمه الإرادة إلى تكوينيّة وأنّها العلم بالنظام على النحو الكامل التامّ ، وتشريعية وهي العلم بالمصلحة في فعل المكلّف (١).
ولا يخفى ما فيه ، فإنّ الإرادة ـ وهي البناء على الإيجاد ـ أمر تكويني دائما ، ولا يمكن أن يكون تشريعيا. نعم ، قد تتعلّق بأمر تكويني كخلق زيد ، وقد تتعلّق بأمر تشريعي كجعل الحكم بحسب ما يعلم من المصلحة ، أمّا أنّ الإرادة تكون نفسها
__________________
(١) كفاية الاصول : ٨٨.