تشريعيّة فلا ، نعم ، الإرادة التكوينية من العبد لمصالحه ، ومن الله لمصالح المخلوق ؛ لأنّ الله كامل ليس فيه نقص كي يستكمل تعالى بخلقه ، بل إرادته لمصالحهم أيضا.
الثاني : ما ذكره (١) من انتهاء الطاعة والمعصية إلى الشقاوة والسعادة الذاتيّة أيضا. ولا يخفى ما فيه ، فإنّ الذاتي لا يتخلّف ، وقد شاهدنا كثيرا كانوا عصاة فسقة ثمّ صاروا من أولياء الله تعالى وبالعكس ، ولو كانت الشقاوة والسعادة ذاتيتين لم يعقل الاختلاف ، بل نرى الشخص الواحد قد يطيع في هذا الآن ويعصي بعده بغير مهلة من دون زمان بينهما.
وقد وجّه بعض الأساطين (٢) من تلامذته كلامه (قدسسرهما) وقدّم على التوجيه مقدّمة هي : أنّ العوارض قسمان : عوارض مفارقة وهذه تحتاج إلى جعل مستقلّ بعد جعل المعروض ، وعوارض ملازمة وهي قسمان أيضا : ملازمة للماهية ، وملازمة للوجود ، وكلّ منهما لا تحتاج إلى جعل غير جعل المعروض. ثمّ طبّق هذه الكلّية على المقام ، فذكر : أنّ العلم من العوارض المفارقة ؛ ولهذا يحتاج إلى جعل يستند إليه ، بخلاف الاختيار فهو من الأعراض الملازمة ، فجعل الإنسان جعل له ، وحينئذ فهو من الذاتيات له ، وبما أنّ بقيّة المقدّمات من العلم والقدرة وغيرها مجعولة لله تعالى بجعل مستقلّ فاستند الفعل إلى الاختيار ، وهو من ملازمات النفس ، وإلى العلم والقدرة وهما من الله ، فهو معنى أمر بين الأمرين.
وهذا الكلام كما ترى غير تامّ كبرى وصغرى ونتيجة :
أمّا الكبرى : ففيها أوّلا : أنّ جعل العوارض الملازمة قسمين : عوارض الماهيّة وعوارض الوجود ، فلا يخفى ما فيه ؛ إذ الماهيّة بما هي ماهيّة ليس لها عوارض أصلا وإنّما تعرضها العوارض بلحاظ وجودها ولو ذهنا ، فليس عندنا عوارض للماهية في قبال عوارض الوجود.
__________________
(١) كفاية الاصول : ٨٩ ـ ٩٠.
(٢) مقالات الأصول ١ : ٢١٢.