وثانيا : مع الغضّ عن هذا الإشكال فهل العرض الملازم ومعروضه وجودان أم لا؟ ولا ريب في كونهما وجودين ، فلا بدّ لهما من إيجادين ؛ إذ الوجود والإيجاد منتزعان من أمر واحد بلحاظين ، فلا يمكن أن يكون وجودان بإيجاد واحد أصلا ، فكيف يمكن جعلهما بجعل واحد؟
والمناقشة في الصغرى ـ مع غضّ النظر عمّا اورد على الكبرى ـ فبأنّ الاختيار الذي زعم أنّه عرض لازم هل المراد منه الاختيار بالقوّة وشأنا؟ فهو في جميع صفات الإنسان من العلم والقدرة والكتابة والضحك ، فلم عدّ العلم من العوارض المفارقة؟ وإن كان المراد الاختيار الفعلي فهو مفارق كغيره ، فأيّ معنى لجعله من الأعراض الملازمة مع انفكاكه عنه؟ كما في المجبور وكما في الطفل الصغير والمجنون وغيرهم.
وأمّا المناقشة في النتيجة فمع الغضّ عن جميع ما ذكرنا في الصغرى والكبرى نقول : إنّ جعل الاختيار بجعل الإنسان وجعل الإنسان وخلقه مستند إلى الله تعالى ، وبقيّة المقدّمات من العلم والقدرة أيضا مجعولة له ، فالفعل بجميع مقدّماته مستند إلى الله تعالى فلزم الجبر ، فأين الأمر بين الأمرين؟ وقد اتّضح لك بما قدّمناه معنى الأمر بين الأمرين وأنّ الفعل بما أنّ إيجاده مستند إلى بناء العبد على إيجاده والبناء من أفعال النفس فهو مستند إلى الإنسان وبما أنّ إفاضة الوجود والقدرة حال العمل من الله تعالى يتحقّق معنى أمر بين الأمرين.
وذلك كلّه ببركة ما ورد إلينا من الأخبار عن أئمّتنا ، وهذا هو شاهد إمامتهم وكونهم ممدودين باليد الغيبيّة ؛ إذ هذه الأمور دقيقة وكلّ من خاض فيها ذهب إلى الجبر أو التفويض إلّا هم ـ سلام الله عليهم ـ فقد ورد عنهم ما مضمونه : إنّ راويا سأل الإمام عليهالسلام هل المكلّف يعمل العمل بنفسه من غير احتياج إلى الله؟ فقال الإمام : «هو أعجز من ذلك» فقال السائل : فهل يفعل الله ذلك العمل؟ فقال عليهالسلام :