«الله أعدل من أن يعاقب على فعل يجبر العبد عليه» (١) إلى آخر الرواية المثبتة لكون الأفعال التي يفعلها العبيد أمر بين الأمرين.
وقد ظهر بطلان القول بالتفويض أيضا ، فإنّ الممكن كما يحتاج في وجوده إلى مؤثّر كذلك يحتاج في بقائه إلى المؤثّر أيضا ، فالإنسان مفتقر في كلّ آن من آنات وجوده إلى أن يفيض الله عليه الوجود والقدرة والفعل مستند إليهما وإلى بنائه الذي هو فعل من أفعال نفسه ، فثبت ما ذكرنا من كون الفعل أمرا بين الجبر والتفويض. هذا تمام الكلام في هذه المسألة العويصة.
بقي الكلام في أمرين لا بأس بالتنبيه عليهما :
أحدهما : أنّ ما ذكرناه من كون فعل العبد أمرا بين الأمرين ، إذ أنّه مستند إلى إرادة العبد بمعنى عزمه وإعمال قدرته في العمل وبنائه وهذه فعل من أفعال العبد وبما أنّ الله تعالى هو الذي يفيض عليه الوجود والقدرة آناً فآنا فالعمل منسوب إليه ، فهذا الذي ذكرناه هو مدلول قول المصلّي في صلاته : «بحول الله وقوّته أقوم وأقعد» فإنّه نسب الفعل إلى نفسه حيث يقول : «أقوم وأقعد» إلّا أنّ هذا العمل هو بحول الله ، إذ لو لا إفاضته الوجود والقدرة آناً فآنا لا يستطيع العمل.
وأمّا قوله تعالى : (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً* إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ)(٢) فقد قال الاستاذ الخوئي في مجلس بحثه الموقّر : إنّ المجموع من المستثنى والمستثنى منه مدخول للنفي ، والمعنى : لا تقولنّ إنّي فاعل ذلك غدا إلّا أن يشاء الله خلافه ، بل علّق نفس الفعل الذي تريد أن تفعله على المشيئة ؛ إذ نفس الفعل ليس مفوّضا إليك والله قادر على منعك عنه ، بل نفس الفعل محتاج لمقدّمات إعدادية من إفاضة الوجود والقدرة وغيرهما من مقدّمات العمل.
__________________
(١) عيون أخبار الرضا عليهالسلام : ١٤١ ـ ١٤٢ ، الحديث ٤٣.
(٢) الكهف : ٢٣ ـ ٢٤.