وأمّا الهيئة : فلأنّه لم يدّع أحد وضعها لغير ما مر من المذاهب التي مرّ ذكرها من كونها موضوعة للتحريك أو لإيقاع النسبة أو لإبراز الاعتبار وغير ذلك ، ولم يذكر أحد دلالتها على مرّة أو تكرار ، فهي لطلب الطبيعة ليس إلّا.
ولو فرض حصول الشكّ في دلالتها على المرّة أو التكرار فالمرجع في بيان الوظيفة هي الاصول العمليّة أو اللفظيّة ، فحيث يشكّ المكلّف في أنّ المطلوب هو الفرد بشرط الوحدة أو التكرار ، فالأصل اللفظي لو كان للدليل إطلاق يقتضي عدم تقيّد المأمور به بالوحدة وعدم تقيده بالأكثر أيضا ، فيجوز له الاقتصار على الفرد ، كما يجوز له الزيادة والإتيان بالأفراد المتعدّدة دفعة. ولو لم يكن للدليل إطلاق فالأصل العملي وهو البراءة أيضا يقتضي ذلك حرفا بحرف. وإذا كان للواجب أفراد طولية وأتى بفرد جامع لشرائط المأمور به فقد سقط الأمر ، فلا أمر حينئذ حتّى يكون إتيانه بها ثانيا امتثالا لذلك الأمر. وإذا أتى به غير جامع للشرائط فالأمر لم يسقط وهو داع إلى متعلّقه ، ولكن ليس هذا من التكرار في شيء.
وما ذكره صاحب الكفاية (١) من جواز تبديل الامتثال حيث يكون الفرد الثاني أوفى للغرض لم يعلم وجهه لنا ، إذ الذي تحت حيّز الأمر إنّما هو فعل المكلّف ، والغرض المترتّب عليه تمكّن المولى وقد حصل ، والغرض ـ وهو رفع العطش ـ ليس المكلّف مكلّفا بتحصيله حسب الفرض ، لأنّه يترتب على فعل الآمر وشربه.
__________________
(١) كفاية الاصول : ١٠٣.