فإنّ الجمع المحلّى باللام مفيد للعموم ، ومعلوم أنّ المستحبّات لا تجب فيها الفوريّة ، فيلزم كثرة التخصيص أو حملها على مطلق الرجحان ، وكلّ منهما محتمل ، فلو لم نقل بأنّ حملها على مطلق الرجحان متعيّن فلا أقلّ من كونهما متساويين ، فلا يكون لهما ظهور في الوجوب.
وأمّا ما ذكره ثالثا : من كون الأمر بهما إرشاديّا لاستقلال العقل بحسن المسارعة والاستباق إلى أسباب المغفرة لما في التأخير من الآفات (١) فغير تامّ ؛ لأنّ الأمر إنّما يحمل على الإرشاد حيث لا يمكن فيه المولويّة كما في أوامر الإطاعة ، وأمّا حيث يمكن ـ كما في المقام ـ فلا. ومجرّد استقلال العقل لا يمنع عن كون الأمر مولويا ، وإلّا لزم كون أداء الدين وجوبه إرشادي واستحباب الصدقة إرشادي ولا يقول هو به فضلا عن غيره. والذي يحتمل قريبا كون الآية في مقام الإعجال إلى التوبة ؛ إذ هي سبب المغفرة لجميع الذنوب ، أمّا غيرها من أفراد الواجب فلا يكون سببا للمغفرة كليّا.
نعم ، بعض الواجبات كالحجّ (٢) والمستحبّات كزيارة الحسين عليهالسلام في أوقات خاصّة ورد فيها المغفرة لجميع الذنوب كلّية (٣).
المرحلة الثانية : في أنّه إذا بنينا على الفوريّة فهل يجب الإتيان بالعمل بعد تركه في أوّل الأزمنة عصيانا أو نسيانا ، أم لا؟ قولان مبنيّان على وحدة المطلوب فلا يجب أو تعدّده فيجب. أمّا إذا كانت الصيغة بنفسها دالّة فلا ريب في كونها كاشفة عن كون الواجب هو العمل الفوري وهو المطلوب بنحو الوحدة. وأمّا إذا كان دليل الفورية الآيات ، فإنّه وإن كان الدليل المنفصل كالمتّصل في التقييد عندنا ـ كما سيأتي في القضاء إن شاء الله تعالى ـ إلّا أنّ في المقام خصوصيّة تقتضي كونه بنحو تعدّد المطلوب ، وهي أنّ المغفرة لا تفوت بفوات الاستباق وإنّما تحصل بغير استباق.
__________________
(١) كفاية الاصول : ١٠٤.
(٢) راجع الوسائل ٨ : ٦٤ ، الباب ٣٨ من أبواب وجوب الحجّ وشرائطه.
(٣) الوسائل ١٠ : ٣١٨ ، الباب ٣٧ من أبواب المزار.