أمّا المقام الثالث : فقد ذهب الشيخ الأنصاري قدسسره إلى إمكانها وعدم محذور مترتّب عليها (١) وتبعه على ذلك الميرزا النائيني قدسسره (٢).
والظاهر استحالتها ؛ لأدائها إلى تغيير الواقع أيضا ، بيان ذلك : أنّ مصلحة الواقع إذا كانت مترتّبة على أمرين بحيث تترتّب على كلّ واحد منهما فلا بدّ من تعلّق أمر المولى بأحدهما على البدل ، فيكون الوجوب تخييريا. ولا يجوز أن يتوجّه الأمر إلى أحدهما بخصوصه إلّا حيث يكون هو المستوفي للمصلحة دون الآخر ، وحينئذ فإذا فرضنا أنّ مصلحة الواقع في فرض الجهل مترتّبة إمّا على التمام أو القصر المستند إلى الأمارة التي لا ينكشف خلافها حتّى يموت فمعناه أنّ المجعول الواقعي في حقّه هو الوجوب التخييري ، وقد فرضنا أنّه التمام بالوجوب التعييني ، فلزم من القول بالمصلحة السلوكيّة تغيير الواقع عمّا كان عليه ، وحينئذ فهو محال ، لما ذكر.
أمّا المقام الرابع : فلو لم يلزم محذور من القول بهذه السببيّة أو بغيرها من السببيتين المتقدّمتين أو لزم التصويب ولم يكن التصويب محذورا يقتضي المنع ، فهل تفي الأدلة بإثباته؟ الظاهر العدم ، فإنّ الظاهر أنّ الشارع المقدّس عهد إلى جملة من الطرق العقلائيّة التي جعلها العقلاء طريقا كالقطع يرتّبون عليها نظامهم ، ضرورة أنّه لو لم يرتّبوا إلّا على خصوص القطع لزم اختلال النظام ، والشارع إنّما أمضى ما بنى عليه العقلاء ، ومن المعلوم أنّ العقلاء لا يجعلون حكما على طبق هذه الأمارة وإنّما كانوا يجعلونها طريقا يسلكونها لتسهيل أغراضهم ولا يذمّون لو سلكوها
__________________
ـ في المتن ، وبين انكشافه خارج الوقت فيجزئ ؛ لأنّ الأمر بالصلاة في الوقت واحد وقد فاتت الصلاة في الوقت ، فالسلوك يقتضي استدراكها ؛ إذ القضاء بأمر جديد معلّق على الفوت ولا فوت بحسب الفرض للمصلحة ، فافهم.
(١) فرائد الاصول ١ : ١١٤ ـ ١١٥.
(٢) أجود التقريرات ١ : ٢٩٣ ـ ٢٩٤.