وأمّا القسم الثالث من أقسام السببيّة : وهي السببيّة على مذهب الإماميّة المعبّر عنها بلسان جماعة بالمصلحة السلوكيّة ، فالكلام يقع :
أوّلا في تصويرها.
وثانيا في إجزائها وعدمه.
وثالثا في إمكانها واستحالتها.
ورابعا في وقوعها.
أمّا الكلام في الأوّل : فقد صار جماعة إلى القول بها فرارا عمّا ذكره ابن قبة من استلزام جعل الخبر الواحد حجّة ـ بل مطلق الظنّ في فرض انفتاح باب العلم ـ تحريم الحلال وتحليل الحرام ، فالتزموا بأنّ ما يفوت من مصلحة الواقع يتدارك بسلوك الأمارة ، بمعنى أنّه لو قامت الأمارة عنده على وجوب القصر مثلا فيما لو سافر أربعة فراسخ فصلّى قصرا ثمّ انكشف له في آخر الوقت وجوب التمام ومخالفة الأمارة للواقع ، فالمتدارك بسلوك هذه الأمارة إنّما هو فضيلة الوقت ؛ لأنّها الفائتة دون مصلحة الوقت لعدم الفوات ، ولو استمرّت الأمارة غير منكشفة الخلاف حتّى مضى الوقت فلا بدّ من كون سلوكها إلى خارج الوقت وافيا بمصلحة الوقت كلّه. ولو لم ينكشف حتّى مات فسلوكها واف بمصلحة فضيلة الوقت ونفس الوقت ونفس صلاة التمام ؛ لأنّ الأمارة حجّة ما لم ينكشف خلافها ، فعدم الإتمام في كلّ من هذه المراتب الثلاث مستند إلى حجّة شرعية لم ينكشف خلافها ، فهي واجبة الاتّباع شرعا.
أمّا المقام الثاني : وهو أنّها لو انكشف خلافها فالظاهر أنّها لا تجزئ حينئذ ؛ لعدم إدراك مصلحة الواقع ولا بدله ، وما استوفي من مصلحة الواقع فهو ما لا يمكن تداركه. وأمّا ما يمكن كمصلحة الوقت لو انكشف الخلاف فيه فلم يفت وكمصلحة أصل الصلاة لو انكشف الخلاف خارجه فلم تفت أيضا ، فلا إجزاء أصلا ، لا في الوقت ولا في خارجه (*).
__________________
(*) قد ذكر في دورته اللاحقة التفصيل بين انكشاف الخلاف في الوقت فلا يجزئ لما ذكر