لأنّه إذا لم يكن ثمّة واقع ، فعن أيّ شيء يبحث المجتهد؟ ويؤدّي رأيه إلى أيّ شيء؟
القسم الثاني : السببيّة المعتزليّة ، وهي أنّ الله تعالى له أحكام واقعيّة مثبتة في اللوح المحفوظ ، إلّا أنّ قيام الأمارة الشرعيّة توجب انقلاب الحكم الواقعي من حاله السابق إلى ما يطابق هذه الأمارة الواصلة إلى هذا المجتهد ، فهي من العناوين الثانوية الموجبة لقلب الحكم عن عنوانه الأوّلي ، نظير أمر المولى الموجب لقلب المباح واجبا ، ونظير الشرط في ضمن العقد الموجب لوجوب ذلك الشرط المباح بحسب حكمه السابق مثلا.
وهذه السببيّة وإن لم يرد عليها إيراد العلّامة ، ضرورة اعترافها بثبوت حكم واقعي يبحث عنه المجتهد ؛ ولذا استدلّوا عليها بما رووا من «كون المصيب ذا أجرين والمخطئ ذا أجر واحد» (١) إلّا أنّ السببيّة بهذا المعنى خلاف الإجماع من الإماميّة والمتواتر من أخبارهم باشتراك الأحكام الواقعيّة بين العالم بها والجاهل والملتفت والغافل (٢) ، فافهم.
ثمّ إنّ السببيّة بهذين المعنيين يستلزمان الإجزاء ، ضرورة عدم الحكم الواقعي ثبوتا أصلا أو بعد قيام الأمارة وكون الحكم الواقعي هو ما أدّت إليه الأمارة ، فقد امتثل الحكم الواقعي ، ولا ظاهري أصلا كي يقع الكلام في إجزائه وعدمه ؛ ولذا ذكر الشهيد قدسسره أنّ القول بالإجزاء في الأحكام الظاهرية يلازم القول بالتصويب المجمع على بطلانه (٣) وهو كما ذكره قدسسره.
__________________
(١) مسند أحمد ٤ : ١٩٨.
(٢) راجع الكافي ١ : ٤٠ ، باب سؤال العالم وتذاكره ، والصفحة ٥٨ ، الحديث ١٩ ، والصفحة : ٥٩ ، الحديث ٢ ، والصفحة ١٩٩ ، الحديث الأوّل.
(٣) الظاهر أنّ المراد ما قاله الشهيد الثاني في تمهيد القواعد : ٣٢٢ ـ ٣٢٣ ، كما نقله الشيخ في فرائد الاصول ١ : ١١٩.