وذكر بعضهم إمكان كون الشرط متأخّرا (١) وقد ذكر في تصوير الإمكان وجوه :
أحدها : ما ذكره صاحب الكفاية قدسسره (٢) وملخّصه : أنّ الحسن والقبح من الصفات التي تعرض الشيء بوجوه واعتبارات ، فقد يكون الشيء حسنا بالإضافة إلى شخص وقبيحا بالإضافة إلى آخر. وليس معنى كون الشيء شرطا لشيء إلّا كونه طرفا للإضافة ويكون الطرف الآخر هو نفس المشروط ، فقد يكون الشيء حسنا ومحصّلا للغرض بشرط هذه الإضافة ، وبما أنّ الإضافة من الامور الخفيفة المئونة فهي تحصل بوجود طرف منها وإن لم يتحقّق الطرف الآخر. وبعبارة اخرى : أنّ الشرط بوجوده المتأخّر يكسب المشروط وجها وعنوانا به يكون محصّلا للغرض وحسنا.
ولا يخفى عليك : أنّ ما ذكره متين بالإضافة إلى الحسن والقبح ؛ لأنّهما بالوجوه والاعتبارات ، وليس لهما واقع إلّا اعتبار المعتبر ليس إلّا ، ولكن الأحكام ـ كما عليه العدليّة ـ إنّما تتبع المصالح والأغراض في المأمور بها ، فليس المأمور به مأمورا به إلّا لتحصيله الغرض الذي اطّلع عليه الشارع وخفي علينا ، وحينئذ فبما أنّ المصالح امور واقعيّة ، فإن حصّلها العمل قبل حصول الشرط المتأخّر لزم إمّا انتفاء شرطيّته أو حصول المعلول قبل علّته ، وإن لم يحصّلها العمل قبل حصول الشرط فكيف يسقط أمره ويحصل الامتثال؟
وهذا هو الذي دعا الميرزا النائيني قدسسره إلى أن يلتزم بعدم حصول الامتثال وعدم سقوط الأمر إلّا بعد حصول الشرط ، وقال : إنّ الإيراد يرد لو التزمنا بحصول الامتثال وسقوط الأمر عند الإتيان بالمشروط قبل حصول شرطه ، ولكنّا لا نلتزم
__________________
(١) منهم المحقّق العراقي في نهاية الأفكار ١ ـ ٢ : ٢٧٨ وما بعدها ، وانظر مقالات الاصول ١ : ٣٠٥ ـ ٣٠٦.
(٢) كفاية الاصول : ١٢٠.