وثالثا : أنّه أخصّ من المدّعى ؛ إذ هو خاصّ بما إذا افيد الوجوب بالهيئة ، لا بما إذا افيد بمعنى اسمي كما في قوله : «إذا زالت الشمس فقد وجب الطهور والصلاة».
وربما ذكر محذور ثالث لعدم جواز إرجاع القيد إلى الهيئة. وقد ذكره الآخوند قدسسره بلفظ «إن قلت» (١) وملخّصه : أنّ الإيجاب يعني إنشاء الوجوب بالفعل ، فإن كان الوجوب المنشأ فعليّا ثبت المطلوب ولا بدّ من إرجاع القيد حينئذ إلى المادّة ، وإن كان الوجوب بعد تحقّق الشرط ـ كما هو مقتضى إرجاع القيد إلى الهيئة ـ فيلزم تخلّف الوجوب عن الإيجاب ، وهو على حدّ تخلّف الوجود عن الإيجاد محال.
وقد أجاب الآخوند عنه بأنّ الإنشاء على تقدير كالإخبار به بمكان من الإمكان ، وحينئذ فلو تحقّق الوجوب قبل تحقّق الشرط لزم التخلّف ؛ لأنّ المفروض أنّ الإيجاب كان على تقدير ، فيكون الوجوب أيضا على تقدير ، فيلزم تقدّم الوجود على الإيجاد.
ولا يخفى ما فيه ، فإنّ الإخبار على تقدير ممكن ؛ لأنّه إخبار عن أمر واقع في الخارج فتقول : «إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود» إلّا أنّ الإنشاء بما أنّه إيجادي على مقتضى كلامهم ويوجد معناه به ، فلا يعقل حينئذ أن يتحقّق الإيجاد ويتأخّر الوجود.
نعم ، لو فرض إمكانه كان تقدّمه على زمان الشرط مستحيلا كما ذكر ، لكنّ الكلام في الإمكان ، فافهم.
وحينئذ فالجواب عن الإشكال أن يقال : إنّ الإنشاء ليس أمرا إيجاديّا يوجد به مؤدّاه ، بل هو كالإخبار في كونه مبرزا لأمر نفساني ، وهو كونه في مقام قصد الحكاية عمّا في نفسه ، ففي الإخبار إنّما تفيد الجملة الخبريّة كونه بصدد الإخبار ، ولا تفيد ثبوت النسبة في الخارج كما هو المشهور على الألسنة ؛ ولذا لو أخبر بعدم وجود
__________________
(١) و (٢) كفاية الاصول : ١٢٣.