الوجه الثاني من الوجوه التي ذكرها الميرزا النائيني قدسسره هو : أن الإطلاق البدلي حكم واحد على الطبيعة كما تقدّم ، وجواز تطبيقه على الأفراد الداخلة تحت تلك الطبيعة إنّما هو بحكم العقل بعد إحراز تساوي أفراد الطبيعة في الوفاء بالغرض ، ولكن العموم الشمولي قاض بعدم تساوي الأفراد ، فلا يحكم العقل حينئذ بجواز تطبيقه على الأفراد بتلك السعة.
والجواب : أنّ جواز التطبيق على الأفراد من تلك الطبيعة ليس حكما عقليّا ، وإنّما هو حكم شرعي يقتضيه عدم التقييد وحمل الحكم على المطلق ، وحينئذ فجواز التطبيق ليس حكما عقليّا حتّى يتوقّف على إحراز المساواة ، ليكون الشمولي مانعا ، بل هو حكم شرعي منشؤه الإطلاق اللفظي كما تقدّم.
الوجه الثالث ممّا ذكره الميرزا النائيني قدسسره هو : أنّ جواز تطبيق المطلق البدلي على جميع أفراد الطبيعة التي تعلق بها الأمر موقوف على عدم المانع ، والإطلاق الشمولي مانع ؛ إذ لا ترفع مانعيّته من قبل نفسه ، ولا يمكن رفعها بإطلاقه للزوم الدور.
والجواب : أنّ ما ذكر متين إلّا أنّ المطلق الشمولي كذلك أيضا موقوف إطلاقه على عدم المانع ، والمطلق البدلي يصلح مانعا ، فرفع مانعيّته من قبل نفسه مستحيلة ، وبالإطلاق مستلزمة للدور ، وحينئذ فكلّ من الإطلاقين يمكن أن يكون مانعا عن الآخر ولا مرجّح لأحدهما بخصوصه على التقدّم. هذا كلّه حيث يتعارض الإطلاقان الشمولي والبدلي.
أمّا لو تعارض الإطلاق الشمولي أو البدلي مع العموم فظاهر كلامهم الاتّفاق على تقديم العموم الشمولي على الإطلاق شموليّا كان أم بدليّا ، وهذا لا يتمّ بناء على ما صرّح به صاحب الكفاية (١) وتبعه عليه بعض من تأخّر عنه كالميرزا النائيني (٢)
__________________
(١) كفاية الاصول : ٢٥٤ ـ ٢٥٥ و ٢٩٢.
(٢) انظر أجود التقريرات ١ : ٢٣٦ ـ ٢٣٨ و ٢ : ٢٩١ و ٤١٥ ـ ٤١٦.