عن هذا التعريف ومال إلى تعريف بعضهم للنفسي بما وجب لنفسه والغيري بما وجب لغيره ، بدعوى أنّ السبب الباعث للمولى على إيجابه إن كان حسنه الذاتي فهو نفسي وإن ترتّب عليه مصلحة إلزاميّة ، وإن كان السبب الباعث هو ما يترتّب عليه فهو غيري وإن كان فيه حسن ذاتي.
ولا يخفى أنّ هذا الذي ذكره لا يمكن الالتزام به ؛ فإنّ الحسن الذاتي الباعث على الوجوب إن كان من جهة ما يترتّب عليه من المصلحة عاد الإشكال بذاته ؛ ضرورة أنّ هذا الحسن الذاتي ناشئ من تلك المصلحة المترتّبة عليه ، وإن كان فيه حسن ذاتي مع قطع النظر عن تلك المصلحة ففيه :
أوّلا : أنّه دون إثباته خرط القتاد ، إذ كيف يمكن إثبات ذلك وأيّ دليل يدلّ عليه؟
وثانيا : أنّه يقتضي أن يكون الإيجاب ناشئا من كلّ من جنبتي النفسيّة والغيريّة ؛ إذ تخصيص الوجوب النفسي به وكون هذا الإيجاب من جهة الحسن الذاتي ترجيح من غير مرجّح وقول بغير دليل ، مع صلاحيّته لكلّ منهما بحسب ذاته ؛ لوجود كلتا الجنبتين فيه حسب الفرض.
وقد أجاب الميرزا النائيني قدسسره (١) عن الإشكال على تعريف المشهور بأنّ المصالح الواقعيّة ليست بواجبة على المكلّف ؛ لعدم قدرته عليها. وما قيل من أنّ المقدور مع الواسطة مقدور بالقدرة على الواسطة فإنّما هو فيما كانت الواسطة من قبيل العلّة والسبب التامّ ، وليس المقام من ذلك ؛ فإنّ مثل النهي عن الفحشاء والمنكر في الصلاة والوقاية من النار في الصوم ليس معلولا للصلاة والصوم ، وإنّما هذه الأفعال الخارجيّة من تكبير وركوع وسجود وإمساك بالنسبة إليها من قبيل العلل الإعداديّة ، نظير الزرع وإلقاء البذر ؛ فإنّه علّة إعداديّة بالنسبة إلى خروج السنبل
__________________
(١) أجود التقريرات ١ : ٢٤٣ ـ ٢٤٤.