الاولى : أنّ الحيثيّة التعليليّة لحكم العقل حيثيّة تقييديّة له بنحو تكون هي موضوع حكم العقل ، بحيث يكون المعلّل إنّما حكم بهذا الحكم لكونه صغرى من صغريات ذلك الحكم ، فالحكم على العالم بالحدوث إنّما هو لكونه متغيّرا ، ولا فرق في ذلك بين حكم العقل النظري المعبّر عنه في الاصطلاح بما ينبغي أن يعلم ، وهو المنتهى إلى استحالة اجتماع النقيضين ، كأن يقال : لا يجوز اجتماع الأمر والنهي ؛ لكونه اجتماع ضدّين فمعناه : الضدّان لا يجتمعان ، والحكم بعدم اجتماع الأمر والنهي بما أنّهما صغرى لتلك الكبرى الكلّية ، وبين حكم العقل العملي المعبّر عنه بما ينبغي أن يعمل ، وهو المنتهى إلى حسن العدل وقبح الظلم ، كحكم العقل بقبح شرب التتن لكونه ضررا ، فمعناه : قبح الضرر ، وشرب التتن إنّما حكم بقبحه ؛ لكونه صغرى لتلك الكبرى الكلّية.
المقدّمة الثانية : أنّ الذي هو تحت الأمر هو الامور الاختياريّة ، أمّا ما ليس تحت الاختيار فليس يجوز التكليف به ، نعم قد يكون مسقطا للواجب.
وإذا تمّت هاتان المقدّمتان ثبت وجوب خصوص المقدّمة المقصود بها التوصّل. بيان ذلك : أنّ الوجوب توجّه نحو ذات الفعل لكونه مقدّمة ، وبما أنّ المقدميّة الواقعيّة ليست تحت الاختيار فلا بدّ من أن يقصد بها عنوان المقدّميّة ، وهو عبارة عن قصد التوصّل بها في وقوعها على صفة الوجوب.
ولا يخفى أنّ المقدّمة الاولى وإن كانت صحيحة ولكن يرد عليه :
أوّلا : أنّ الكلام ليس في حكم العقل بوجوب المقدّمة ، بل في حكم الشارع بها من الملازمة العقليّة.
وبالجملة ، الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدّمته بحكم العقل وهي غير معلّلة والوجوب معلّل ولكنّه وجوب شرعي ، وليس العلل فيه عللا تقيّدية كحكم العقل ، بل هي علل للمحبوبيّة فافهم. وإطلاق حكم العقل عليه مسامحة باعتبار كون العقل هو الكاشف لحكم الشارع.