والظاهر أنّ بيان الدور بما ذكر أوّلا أولى ويدفع بما ذكرنا من أنّه يلزم اجتماع المثلين وليس بضائر كما مرّ.
ولا يخفى أنّ ما ذكرناه من الجواب تنزّلي ، والحقّ أنّه ليس أصل الدور بوارد ؛ إذ الإيصال ليس قيدا لا للوجوب ولا للواجب وإنّما ذكر مشيرا إلى الواجب وإنّ المقدّمة الواجبة هي المقدّمة الملازمة في الوجود لذي المقدّمة ، والتعبير بالإيصال إنّما هو مشير إليها ، وإلّا فليس الإيصال قيدا أصلا ، بل المراد أنّ العلّة التامّة له هي الواجبة ، وحينئذ فالوجوب الغيري وجوب واحد مترشّح من ذي المقدّمة على جميع ما له دخل في وجود الواجب من المقدّمات الوجوديّة ، لا أنّ كلّ مقدّمة لها أمر غيري مستقلّ ، بل الأمر الغيري واحد ليس إلّا منبسط على جميع المقدّمات التوأمة بحسب الوجود مع ذي المقدّمة.
وبهذا البيان اندفع ما ذكره الميرزا النائيني قدسسره (١) ثانيا من أنّ ذات المقدّمة المقيّدة بقيد الإيصال بما أنّها جزء المقدّمة واجبة أم لا؟ لا سبيل إلى الثاني فلا بدّ من كونها واجبة ، وحينئذ فهي واجبة ، فإن كانت واجبة بغير قصد الإيصال إلى جزئها الآخر فليلتزم في مجموع المقدّمة بذلك ، وإن اعتبر فيها قيد الإيصال إلى جزئها فينتقل الكلام إلى الذات ويلزم التسلسل الباطل.
ووجه دفعه ظاهر ممّا قرّرنا ؛ فإنّ الإيصال ليس قيدا وإنّما هو معرّف ومشير إلى المقصود ، والظاهر أنّ مراد صاحب الفصول هو هذا أيضا ، فلذا ادّعى الضرورة ، بداهة أنّ ما لا يترتّب عليه الواجب لما ذا يطلبه وأيّ غرض يتعلّق له به حتّى يوجبه المولى ويبعث نحوه؟ فالإنصاف أنّا لو قلنا بوجوب مقدّمة الواجب لخصّصناه بما يكون توأما في الوجود مع ذي المقدّمة ؛ لأنّه الذي يتعلّق به غرض المولى دون غيره ، فافهم.
__________________
(١) أجود التقريرات ١ : ٣٤٦.