ومن هنا ظهر أنّ قياس الإرادة التشريعيّة بالإرادة التكوينيّة قياس مع الفارق ؛ إذ الإرادة التكوينيّة تتعلّق بفعل الإنسان نفسه والشوق إلى ذي المقدّمة شوق إلى المقدّمة في فعله نفسه إلّا أنّ الإرادة التشريعيّة بما أنّ متعلّقها فعل الغير فلا ملازمة بين اعتبار ذي المقدّمة في ذمّة المكلّف واعتبار المقدّمة نفسها في ذمّته أيضا.
الدليل الثاني لوجوب المقدّمة : ما ذكره صاحب الكفاية قدسسره (١) من أنّ الأوامر الغيريّة بالمقدّمات موجودة في الشرعيّات والعرفيّات ، ولا وجه للأمر الغيري بالمقدّمات إلّا جهة التوقّف والمقدّميّة ، وهذا يقتضي وجوب الجميع ؛ لاتّحاد الملاك.
والجواب : أنّ هذا الدليل متين لو أثبت تحقّق أمر غيري بمقدّمة من المقدّمات ولو واحدا ؛ فإنّ الأوامر الموجودة بالمقدّمات إمّا أن تكون إرشادا إلى الشرطيّة كما في : اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه ، وكما في قوله : لا صلاة إلّا إلى القبلة وأشباهها ؛ فإنّ مثل هذه إرشاديّة إلى الشرطيّة. وإمّا أن تكون تأكيدا للأمر الأوّل النفسي ، كما إذا أمر المولى عبده بشراء اللحم فتوانى العبد ولم يسارع في الشراء يقول له : البس ملابسك واذهب إلى السوق ، فإنّ الأمر هنا بهذه المقدّمات تأكيد للأمر الأوّل ليس إلّا ، فليس مورد من الموارد قد ورد أمر غيريّ بمقدّمة واحدة من مقدّمات الواجب ، ولو وجد لكفى في إثبات وجوب المقدّمة ، فافهم وتأمّل.
الدليل الثالث : ما ذكره أبو الحسين البصري (٢) وأظنّه أقدم الأدلّة وهو : أنّه لو لم تجب المقدّمة لجاز تركها ، وحينئذ فإن بقى الواجب على وجوبه لزم تكليف ما لا يطاق وإلّا خرج الواجب المطلق عن كونه واجبا مطلقا.
__________________
(١) كفاية الاصول : ١٥٧.
(٢) المعتمد في اصول الفقه ١ : ٩٤ ـ ٩٥.