أنّهما في عدم التخلّف متّفقان ، ولا ريب أنّ المقدّمة فيهما لا تتّصف بالحرمة النفسية زائدا على حرمة ذي المقدّمة ، فلا يعاقب بعقابين : أحدهما للمقدّمة والآخر لذي المقدّمة ؛ لعدم المقتضي لذلك ، بل في المقام حرمة نفسيّة واحدة إلّا أنّ الكلام أنّها على المقدّمة أو على ذي المقدّمة؟
ذهب الميرزا النائيني قدسسره (١) إلى أنّها ـ أي المعاقبة ـ على المقدّمة ؛ لعدم القدرة على ذي المقدّمة قبلها ، وبعدها يكون ضروريا فالتحريم والعقاب عليها لا على ذي المقدّمة.
والجواب : أنّ المقدور بالواسطة مقدور كما التزم به في الوجوب في المقدّمة السببيّة فالظاهر أنّ التحريم لذي المقدّمة والعقاب عليه وتبقى المقدّمة ، فعلى القول بوجوب المقدّمة للواجب تكون محرّمة شرعا وعلى القول بعدم الوجوب لا تكون محرّمة شرعا ؛ لأنّ حكم العقل بلزوم تركها كاف في لزوم الاجتناب ويكون منع الشارع لغوا لا فائدة فيه أصلا.
القسم الثاني : ما لا يكون الحرام بعده ضروريّ الوجود بل يتوسّط اختيار العبد بينه وبين الحرام ويأتي به المكلّف لا بقصد التوصّل إلى الحرام ، وهذا جائز بضرورة الشرع ؛ ضرورة أنّ الخروج من الدار لكلّ أحد مقدّمة لقتل الأنفس المحترمة الكائنة خارج الدار ومقدّمة لشرب الخمر خارج الدار ولغير ذلك من المحرّمات.
القسم الثالث : هو القسم الثاني إلّا أنّه يفعله المكلّف بقصد التوصّل به إلى الحرام إلّا أنّ اختياره لفعل الحرام بعده موجود بحيث يستطيع أن يفعل الحرام وأن يتركه ، وهذا القسم لا وجه لاتّصافه بالحرمة الغيريّة ؛ لبقاء اختيار المكلّف بعده ، ولا وجه أيضا للاتّصاف بالحرمة النفسيّة إلّا بناء على حرمة نيّة السوء إذا اشتغل بمقدّمات ذلك السوء ، وهذا هو أحد وجوه الجمع بين الأخبار في نيّة السوء. وقد ذكرنا أنّ هذا الوجه غير تامّ وأنّ الحقّ هو الوجه الثاني للجمع بين تلك الأخبار.
__________________
(١) انظر أجود التقريرات ١ : ٣١٩ و ٣٦١.