نعم ، ذهب الميرزا النائيني قدسسره (١) إلى أنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه العامّ بالملازمة وادّعى أنّ النهي من قبيل اللازم البيّن بالمعنى الأخصّ ، بحيث لا ينفكّ تصور الأمر بالشيء عن النهي عن ضدّه العامّ بمعنى الترك وهو غريب منه قدسسره ؛ إذ قد لا يتصوّر الآمر بالشيء ضدّه بمعنى تركه كي ينهى عنه ، بل هو قدسسره اعترف بذلك في إنكار العينيّة.
وذهب جماعة إلى اللزوم البيّن بالمعنى الأعمّ بمعنى أنّه إذا تصوّر الأمر بالشيء وتصوّر النهي عن ضدّه وتصوّر الملازمة بينهما يجزم بالملازمة. بل ادّعى بعضهم الإجماع على النهي عن الضدّ العامّ بمعنى الترك بأحد هذه الوجوه على سبيل منع الخلوّ ، ولكن دقيق النظر يقتضي خلافه ، وذلك أنّ الأمر بالشيء لا يكون إلّا عن مصلحة فيه ، والنهي عنه لا يكون إلّا عن مفسدة فيه ، وحينئذ فالواجب هو ما كان في فعله المصلحة وليس في تركه مفسدة ، والحرام ما كان في فعله مفسدة وليس في تركه مصلحة ، وحينئذ فإذا أمر بشيء كشف عن مصلحة في متعلّق أمره فبأيّ ملاك ينهى عن تركه؟ وليس في الترك مفسدة قطعا ، ولهذا لا يعاقب التارك لذلك الواجب عقابين. أحدهما لتفويت المصلحة ، والآخر للوقوع في المفسدة ، بل ليس عليه إلّا عقاب واحد. وكذا لو امتثل فليس له إلّا ثواب واحد لا ثوابان : أحدهما لاستيفاء المصلحة ، والآخر لعدم الوقوع في المفسدة. وبالجملة فهذا واضح لمن تأمّل.
وحينئذ فلا يقتضي الأمر بالشيء النهي عن الضدّ العامّ بمعنى الترك كلّية ، بل سيأتي أنّ تحريم الضدّ بهذا المعنى ـ أي بمعنى الترك ـ محال ؛ لأدائه إلى اللغويّة ، مضافا إلى عدم التزامهم بأنّ تارك الواجب مستحقّ لعقابين ، نعم لو اريد من النهي عن الترك أنّ الأمر به كما يكون إيجابا له حقيقة يكون تحريما لتركه مجازا كان صحيحا ،
__________________
(١) أجود التقريرات ٢ : ٧.