فنقول : ذهب جماعة (١) إلى أنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن الضدّ العامّ بمعنى الترك مطابقة وآخرون (٢) إلى أنّه يقتضيه بالتضمّن وآخرون (٣) إلى الالتزام البيّن بالمعنى الأخصّ وآخرون (٤) إلى البيّن بالمعنى الأعمّ.
ونحن نقول بأنّ المولى إذا أمر بشيء كالصلاة مثلا فالنهي عن ضدّه بمعنى الترك فالنهي عن تركه ، وإذا كان معنى النهي طلب الترك ومتعلّقه الترك فيكون معنى النهي عن ضدّه طلب ترك تركه ، ومعلوم أنّ الوجود والعدم امور موجودة في دائرة التحقّق قطعا ، فزيد الآن موجود قطعا وقبل ألف عامّ معدوم قطعا ، فالوجود والعدم امور متحقّقة في دائرة التحقّق وكلّ عنوان عداهما من العناوين الانتزاعيّة عنها. وحينئذ فطلب ترك الترك هو نفس الوجوب ، وإذا اضيف إليه لفظ ترك آخر كان عنوانا منطبقا على التحريم وإذا اضيف إليه لفظ ترك آخر كان وجوبا وهكذا ، وحينئذ فإذا كان طلب ترك الترك معناه هو الأمر بالشيء فهل يعقل البحث عن أنّ الأمر بالشيء يقتضي الأمر بالشيء أم لا يقتضي؟ وهل ينبغي أن يجعل هذا محلّا للبحث؟ كلّا ثمّ كلّا ، فالبحث عنه ساقط.
نعم ، لو كان معنى النهي عن الضدّ الزجر عن الضدّ ـ كما هو الحقّ ـ لا طلب الترك كما ادّعاه الآخوند (٥) كان البحث عن الاقتضاء وعدمه متّجها ؛ إذ حينئذ يمكن أن يقال إنّ البعث للشيء يقتضي الزجر عن تركه أم لا ، إلّا أنّ دعوى العينيّة حينئذ ساقطة كدعوى الجزئيّة ؛ ضرورة أنّ البعث والزجر من الصفات المتقابلة فكيف يدّعى اتّحادهما أو جزئيّة أحدهما للآخر وهو واضح؟
__________________
(١) منهم المحقّق الأصفهاني في الفصول : ٩٢.
(٢) منهم صاحب المعالم في المعالم : ٦٣ ـ ٦٤.
(٣) منهم المحقّق النائيني كما في أجود التقريرات ٢ : ٧ و ١٠.
(٤) مثل المحقّق القمي في القوانين ١ : ١١٣.
(٥) كفاية الاصول : ١٨٢.